إبليس باختياره صار متبعا له، ولكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أن إبليس يقهره على تلك المتابعة أو يجبره عليها والحاصل في هذا القول: أن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا، فبين تعالى كذبه فيه، وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) * (إبراهيم: 22) وقال تعالى في آية أخرى: * (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) * (النحل: 99، 100) قال الجبائي: هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما يقوله العامة، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة قال وذلك خلاف ما نص الله تعالى عليه، وفي الآية قول آخر، وهو أن إبليس لما قال: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * (الحجر: 40) فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله في هذا الاستثناء فقال: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * فلهذا قال الكلبي: العباد المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس.
واعلم أن على القول الأول يمكن أن يكون قوله: * (إلا من اتبعك) * استثناء، لأن المعنى: أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فإن لك عليهم سلطانا بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنهي.
وأما على القول الثاني فيمتنع أن يكون استثناء، بل تكون لفظة (إلا) بمعنى لكن، وقوله: * (إن جهنم لموعدهم أجمعين) * قال ابن عباس: يريد إبليس وأشياعه، ومن اتبعه من الغاوين.
ثم قال تعالى: * (لها سبعة أبواب) * وفيه قولان:
القول الأول: إنها سبع طبقات: بعضها فوق البعض وتسمى تلك الطبقات بالدركات، ويدل على كونها كذلك قوله تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145).
والقول الثاني: إن قرار جهنم مقسوم سبعة أقسام: ولكل قسم باب، وعن ابن جريج: أولها: جهنم. ثم لظى. ثم الحطمة. ثم السعير. ثم سقر. ثم الجحيم. ثم الهاوية. قال الضحاك: الطبقة الأولى: فيها أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون. والثانية: لليهود. والثالثة: للنصارى. والرابعة: للصابئين. والخامسة: للمجوس. والسادسة: للمشركين. والسابعة: للمنافقين. وقوله: * (لكل باب منهم جزء مقسوم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: * (جزء مقسوم) * والباقون (جز) بتخفيف الزاي. وقرأ الزهري: (جز) بالتشديد، كأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي، كقولك: خب