أي بما تؤمر به من الشرائع، فحذف الجار كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به الثاني: أن تكون " ما " مصدرية أي فاصدع بأمرك وشأنك. قالوا: وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية.
ثم قال تعالى: * (وأعرض عن المشركين) * أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة. قال بعضهم: هذا منسوخ بآية القتال وهو ضعيف، لأن معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم فلا يكون منسوخا.
ثم قال: * (إنا كفيناك المستهزئين) * قيل: كانوا خمسة نفر من المشركين: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى عقب الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات، وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فدخلت فيها شوكة فقال: لدغت لدغت وانتفخت رجله حتى صارت كالرحا ومات، وأشار إلى عيني الأسود بن المطلب فعمي، وأشار إلى أنف عدي بن قيس، فامتخط قيحا فمات وأشار إلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات.
واعلم أن المفسرين قد اختلفوا في عدد هؤلاء المستهزئين وفي أسمائهم وفي كيفية طريق استهزائهم، ولا حاجة إلى شيء منها، والقدر المعلوم أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورياسة لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على إظهار مثل هذه السفاهة مع مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في علو قدره وعظم منصبه، ودل القرآن على أن الله تعالى أفناهم وأبادهم وأزال كيدهم، والله أعلم.
قوله تعالى * (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * اعلم أنه تعالى لما ذكر أن قومه يسفهون عليه ولا سيما أولئك المقتسمون وأولئك المستهزؤون قال له: * (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) * لأن الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك فعند هذا قال له: * (فسبح بحمد ربك) * فأمره بأربعة أشياء بالتسبيح والتحميد والسجود والعبادة