فقال إلى الله أكلكم، قالت آلله أمرك بهذا؟ قال نعم: قالت إذن لا نخشى.
ثم قال: * (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) * وفيه قولان: أحدهما: أنه كلام الله عز وجل تصديقا لإبراهيم عليه السلام كقوله: * (وكذلك يفعلون) * (النحل: 34) والثاني: أنه من كلام إبراهيم عليه السلام يعني وما يخفي على الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان، ولفظ " من " يفيد الاستغراق كأنه قيل: وما يخفى عليه شيء ما.
ثم قال: * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق) * وفيه مباحث: البحث الأول: اعلم أن القرآن يدل على أنه تعالى إنما أعطى إبراهيم عليه السلام هذين الولدين أعني إسماعيل وإسحق على الكبر والشيخوخة، فأما مقدار ذلك السن فغير معلوم من القرآن وإنما يرجع فيه إلى الروايات فقيل لما ولد إسماعيل كان سن إبراهيم تسعا وتسعين سنة، ولما ولد إسحق كان سنه مائة واثنتي عشرة سنة وقيل ولد له إسماعيل لأربع وستين سنة وولد إسحق لتسعين سنة، وعن سعيد بن جبير: لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة، وإنما ذكر قوله: * (على الكبر) * لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم، من حيث إن هذا الزمان زمان وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة في وقت اليأس من أعظم النعم، ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم.
فإن قيل: إن إبراهيم عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء عندما أسكن إسماعيل وهاجر أمه في ذلك الوادي، وفي ذلك الوقت ما ولد له إسحق فكيف يمكنه أن يقول: * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق) *.
قلنا قال القاضي: هذا الدليل يقتضي أن إبراهيم عليه السلام إنما ذكر هذا الكلام في زمان آخر لا عقيب ما تقدم من الدعاء. ويمكن أيضا أن يقال: إنه عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء بعد كبر إسماعيل وظهور إسحق وإن كان ظاهر الروايات بخلافه.
البحث الثاني: على في قوله: * (على الكبر) * بمعنى مع كقول الشاعر:
إني على ما ترين من كبري * أعلم من حيث يؤكل الكتف وهو في موضع الحال ومعناه: وهب لي في حال الكبر.
البحث الثالث: في المناسبة بين قوله: * (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) * وبين قوله: * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق) * وذلك هو كأنه كان في قلبه أن يطلب من الله إعانتهما وإعانة ذريتهما بعد موته ولكنه لم يصرح بهذا