واعلم أن قوله: * (ابتغاء وجه ربهم) * فيه دقيقة، وهي أن العاشق إذا ضربه معشوقه، فربما نظر العاشق لذلك الضارب وفرح به فقوله: * (ابتغاء وجه ربهم) * محمول على هذا المجاز، يعني كما أن العاشق يرضى بذلك الضرب لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه، فكذلك العبد يصبر على البلاء والمحنة، ويرضى به لاستغراقه في معرفة نور الحق وهذه دقيقة لطيفة.
القيد السابع: قوله: * (وأقاموا الصلاة) *.
واعلم أن الصلاة والزكاة وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى إلا أنه تعالى أفردها بالذكر تنبيها على كونها أشرف من سائر العبادات وقد سبق في هذا الكتاب تفسير إقامة الصلاة ولا يمتنع إدخال النوافل فيه أيضا.
القيد الثامن: قوله تعالى: * (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال الحسن: المراد الزكاة المفروضة فإن لم يتهم بترك أداء الزكاة فالأولى أداؤها سرا وإن اتهم بترك الزكاة فالأولى أداؤها في العلانية. وقيل السر ما يؤديه بنفسه والعلانية ما يؤديه إلى الأمام، وقال آخرون: بل المراد الزكاة الواجبة والصدقة التي يؤتى بها على صفة التطوع فقوله: * (سرا) * يرجع إلى التطوع وقوله: * (علانية) * يرجع إلى الزكاة الواجبة.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة إنه تعالى رغب في الانفاق من كل ما كان رزقا، وذلك يدل على أنه لا رزق إلا الحلال إذ لو كان الحرام رزقا لكان قد رغب تعالى في إنفاق الحرام وأنه لا يجوز.
القيد التاسع: قوله: * (ويدرؤن بالحسنة السيئة) * وفيه وجهان: الأول: أنهم إذا أتوا بمعصية درؤها ودفعوها بالتوبة كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: " إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها ". والثاني: أن المراد أنهم لا يقابلون الشر بالشر بل يقابلون الشر بالخير كما قال تعالى: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (الفرقان: 72) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ليس الوصول من وصل ثم وصل تلك المجازاة لكنه من قطع ثم وصل وعطف على من لم يصله، وليس الحليم من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج، لكن الحليم من قدر ثم عفا. وعن الحسن: هم الذين إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا، ويروى أن شقيق بن إبراهيم البلخي دخل على عبد الله بن المبارك متنكرا، فقال من أين أنت؟ فقال: من بلخ، فقال: وهل تعرف شقيقا قال نعم، فقال: كيف طريقة أصحابه؟ فقال: إذا منعوا صبروا وإن أعطوا شكروا، فقال عبد الله: طريقة كلابنا هكذا. فقال: وكيف ينبغي أن يكون فقال الكاملون: هم الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا.