الأجسام اشتاقت إلى التصرف فيها، لان عالم الأرواح مدبر العالم الأجسام.
وإذا عرفت هذا: فالقلب كلما توجه إلى مطالعة عالم الأجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرف فيها، أما إذا توجه القلب إلى مطالعة الحضرة الإلهية حصل فيه أنوار الصمدية الأضواء الإلهية، فهناك يكون ساكنا فلهذا السبب قال (إلا بذكر الله تطمئن القلوب) (الوجه الثاني) أن القلب كلما وصل إلى شئ فإنه يطلب الانتقال منه إلى حالة أخرى أشرف عنها، لأنه لا سعادة في عالم الأجسام إلا وفوقها مرتبة أخرى في اللذة والغبطة. أما إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء الصمدية بقى واستقر فلم يقدر على الانتقال منه البتة، لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منها وأكمل: فلهذا السبب قال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (والوجه الثالث) في تفسيره هذه الكلمة أن الا كسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهبا باقيا على كر الدهور والأزمان. صابرا على الذوبان الحاصل بالنار فإكسير جلال الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهرا باقيا صافيا نورانيا لا يقبل التغير والتبدل، فلهذا قال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ثم قال تعالى (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) في تفسير كلمة (طوبى ثلاثة أقوال:
(القول الأول) أنها أسم شجرة في الجنة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وأن أعضائها لترى من وراء سور الجنة وحكى أبو بكر الأصم رضي الله عنه: أن أصل هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفى دار كل مؤمن منها غصن.
(والقول الثاني) وهو قول أهل اللغة إن طوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى. ومعنى طوبى لك، أصبت طيبا، ثم اختلفوا على وجوه: فقيل: فرح وقرة عين لهم. عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: نعم مالهم عن عكرمة. وقيل غبطة لهم عن الضحاك. وقيل: حسنى لهم عن قتادة. وقيل: خير وكرامة عن أبي بكر الأصم، وقيل: العيش الطيب لهم عن الزجاج.
واعلم أن المعاني متقاربة والتفاوت يقرب من أن يكون في اللفظ. والحاصل أنه مبالغة في نيل الطيبات. ويدخل فيه جميع اللذات. وتفسيره أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم.