فيها أنهارا نزرع فيها. أو أحي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقول أو باطل، فقد كان عيسى يحي الموتى، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان فلست بأهون على ربك من سليمان، فنزل قوله (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) أي من أما كنها (أو قطعت به الأرض) أي شققت فجلعت أنهارا وعيونا (أو كلم به الموتى) لكان هو هذا القرآن الذي أنزلناه عليكم. وحذف جواب لو لكونه معلوما، وقال الزجاج: المحذوف هو أنه (لو أن قرآنا سيرت به الجبال) وكذا وكذا لما آمنوا به كقوله (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى) ثم قال تعالى (بل لله الامر جميعا) يعنى إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وليس لأحد أن يتحكم عليه في أفعاله وأحكامه ثم قال تعالى (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جمعيا) وفيه مسألتان:
(المسألة الأولى) في قوله (أفلم ييأس) قولان:
(القول الأول) أفلم يعلموا وعلى هذا التقدير ففيه وجهان:
(الوجه الأول) (ييأس) يعلم في لغة النخع وهذا قول أكثر المفسرين مثل مجاهد والحسن وقتادة. واحتجوا عليه بقول الشاعر:
ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا وأنشده أبو عبيدة:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني... ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم أي ألم تعلموا. وقال الكسائي: ما وجدت العرب تقول يئست بمعنى علمت البتة.
(والوجه الثاني) ما روى أن عليا وابن عباس كانا يقرآن (أفلم يأس الذين آمنوا) فقيل لابن عباس أفلم ييأس فقال: أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس أنه كان في الخط يأس فزاد الكاتب سنة واحدة فصار يسأس فقرئ ييأس وهذا القول بعيد جدا لان يقتضى كون القرآن محلا للتحريف والتصحيف.
وذلك يخرجه عن كونه حجة قال صاحب الكشاف: ما هذا القول والله إلا فرية بلا مرتبة.
(والقول الثاني) قال الزجاج: المعنى أو يئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لان الله لو شاء لهدى الناس جمعيا. وتقريره أن العلم بأن الشئ لا يكون يوجب اليأس من كونه والملازمة توجب حسن المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ اليأس لإرادة العلم.
(والمسألة الثانية) احتج أصحابنا بقوله (أن لو يشاء الله الهدى الناس جميعا) وكلمة لو تفيد انتفاء الشئ انتفاء غيره، والمعنى: أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس، والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة