أحوالهم في الدنيا ثم يشكرون الله على الخلاص منها والفوز بالجنة ولذلك قال تعالى في صفة أهل الجنة إنهم يقولون: * (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) * (يس: 26، 27).
المسألة الرابعة: قوله: * (وأزواجهم) * ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه، وما روي عن سودة أنه لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في زمرة نسائك، كالدليل على ما ذكرناه.
والقيد الرابع: قوله: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: لهم خيمة من درة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ لها ألف باب مصاريعها من ذهب يدخلون عليهم الملائكة من كل باب يقولون لهم: * (سلام عليكم بما صبرتم) * على أمر الله. وقال أبو بكر الأصم: من كل باب من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ويقولون: ونعم ما أعقبكم الله بعد الدار الأولى.
واعلم أن دخول الملائكة إن حملناه على الوجه الأول فهو مرتبة عظيمة، وذلك لأن الله تعالى أخبر عن هؤلاء المطيعين أنهم يدخلون جنة الخلد، ويجتمعون بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم على أحسن وجه، ثم إن الملائكة مع جلالة مراتبهم يدخلون عليهم لأجل التحية والإكرام عند الدخول عليهم يكرمونهم بالتحية والسلام ويبشرونهم بقوله: * (فنعم عقبى الدار) * ولا شك أن هذا غير ما يذكره المتكلمون من أن الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال والتعظيم، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي قبور الشهداء رأس كل حول فيقول: " السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " والخلفاء الأربعة هكذا كانوا يفعلون، وأما إن حملناه على الوجه الثاني فتفسير الآية أن الملائكة طوائف، منهم روحانيون ومنهم كروبيون. فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الراضيات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة، ولكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يختص بتلك الصفة مزيد اختصاص؛ فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السماوية ما يناسبها من الصفة المخصوصة بها فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر، ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر وهكذا القول في جميع المراتب.
المسألة الثانية: تمسك بعضهم بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر فقال: إنه سبحانه ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والعظيم فكانوا به أجل