الدائمة الخالية عن الانقطاع المقرونة بالتعظيم والإجلال. ولم يذكر الزيادة ههنا لأنه تعالى قد ذكرها في سورة أخرى، وهو قوله: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (يونس: 206) وأما أحوال الأشقياء، فهي قوله: * (والذين لم يستجيبوا له) * فلهم أنواع أربعة من العذاب والعقوبة.
فالنوع الأول؛ قوله: * (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) * والافتداء جعل أحد الشيئين بدلا من الآخر، ومفعول لافتدوا به محذوف تقديره: لافتدوا به أنفسهم أي جعلوه فداء أنفسهم من العذاب، والكناية في " به " عائدة إلى " ما " في قوله: * (ما في الأرض) *.
واعلم أن هذا المعنى حق، لأن المحبوب بالذات لكل إنسان هو ذاته، وكل ما سواه فإنما يحبه لكونه وسيله إلى مصالح ذاته، فإذا كانت النفس في الضرر والألم والتعب وكان مالكا لما يساوي عالم الأجساد والأرواح فإنه يرضى بأن يجعله فداء لنفسه، لأن المحبوب بالعرض لا بد وأن يكون فداء لما يكون محبوبا بالذات.
والنوع الثاني: من أنواع العذاب الذي أعده الله لهم هو قوله: * (أولئك لهم سوء الحساب) * قال الزجاج: ذاك لأن كفرهم أحبط أعمالهم. وأقول ههنا حالتان: فكل ما شغلك بالله وعبوديته ومحبته فهي الحالة السعيدة الشريفة العلوية القدسية، وكل ما شغلك بغير الله فهي الحالة الضارة المؤذية الخسيسة، ولا شك أن هاتين الحالتين يقبلان الأشد والأضعف والأقل والأزيد، ولا شك أن المواظبة على الأعمال المناسبة لهذه الأحوال توجب قوتها ورسوخها لما ثبت في المعقولات أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة، ولا شك أنه لما كانت كثرة الأفعال توجب حصول تلك الملكات الراسخة وكل واحدة من تلك الأفعال حتى اللمحة واللحظة والخطور بالبال والالتفات الضعيف فإنه يوجب أثرا ما في حصول تلك الحالة في النفس فهذا هو الحساب، وعند التأمل في هذه الفصول يتبين للإنسان صدق قوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (الزلزلة: 7، 8).
إذا ثبت هذا فالسعداء هم الذين استجابوا لربهم في الإعراض عما سوى الله وفي الإقبال بالكلية على عبودية الله تعالى ولا جرم حصل لهم الحسنى.
وأما الأشقياء فهم الذين لم يستجيبوا لربهم، فلهذا السبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب، والمراد بسوء الحساب أنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين عن الفوز بخدمة حضرة المولى.
والنوع الثالث: قوله تعالى: * (ومأواهم جهنم) * وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاستسعاد