أي ويجب على كل من في السماوات والأرض أن يسجد لله فعبر عن الوجوب بالوقوع والحصول. والثاني: وهو أن المراد من السجود التعظيم والاعتراف بالعبودية، وكل من في السماوات ومن في الأرض يعترفون بعبودية الله تعالى على ما قال: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25).
وأما القول الثاني في تفسير الآية فهو أن السجود عبارة عن الانقياد والخضوع وعدم الامتناع وكل من في السماوات والأرض ساجد لله بهذا المعنى، لأن قدرته ومشيئته نافذة في الكل وتحقيق القول فيه أن ما سواه ممكن لذاته والممكن لذاته هو الذي تكون ماهيته قابلة للعدم والوجود على السوية وكل من كان كذلك امتنع رجحان وجوده على عدمه أو بالعكس، إلا بتأثير موجود ومؤثر فيكون وجود كل ما سوى الحق سبحانه بإيجاده وعدم كل ما سواه بإعدامه، فتأثيره نافذ في جميع الممكنات في طرفي الإيجاد والإعدام، وذلك هو السجود وهو التواضع والخضوع والانقياد، ونظير هذه الآية: * (بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) * وقوله: * (وله أسلم من في السماوات والأرض) * (آل عمران: 83).
وأما قوله تعالى: * (طوعا وكرها) * فالمراد: أن بعض الحوادث مما يميل الطبع إلى حصوله كالحياة والغنى، وبعضها مما ينفر الطبع عنه كالموت والفقر والعمى والحزن والزمانة وجميع أصناف المكروهات، والكل حاصل بقضائه وقدره وتكوينه وإيجاده، ولا قدرة لأحد على الامتناع والمدافعة.
ثم قال تعالى: * (وظلالهم بالغدو والآصال) * وفيه قولان:
القول الأول: قال المفسرون، كل شخص سواء كان مؤمنا أو كافرا فإن ظله يسجد لله. قال مجاهد: ظل المؤمن يسجد لله طوعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد لله كرها وهو كاره، وقال الزجاج: جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله، وعند هذا قال ابن الأنباري: لا يبعد أن يخلق الله تعالى للظلال عقولا وأفهاما تسجد بها وتخشع كما جعل الله للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيح الله تعالى وحتى ظهر أثر التجلي فيها كما قال: * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) * (الأعراف: 143).
والقول الثاني: وهو أن المراد من سجود الظلال ميلانها من جانب إلى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاع الشمس، فهي منقادة مستسلمة في طولها وقصرها وميلها من جانب إلى جانب وإنما خصص الغدو والآصال بالذكر، لأن الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين.