المسألة الثانية: في كون البرق خوفا وطمعا وجوه. الأول: أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق ويطمع في نزول الغيث قال المتنبي:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى * يرجى الحيا منها ويخشى الصواعق الثاني: أنه يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر وكمن في جرابه التمر والزبيب ويطمع فيه من له فيه نفع. الثالث: أن كل شيء يحصل في الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم، وشر بالنسبة إلى آخرين، فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه، وشر في حق من يضره ذلك، إما بحسب المكان أو بحسب الزمان.
المسألة الثالثة: اعلم أن حدوث البرق دليل عجيب على قدرة الله تعالى وبيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب في أجزاء رطبة مائية، ومن أجزاء هوائية ونارية ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية والماء جسم بارد رطب، والنار جسم يابس وظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب واستولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه، ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة عنيفة، والحركة العنيفة موجبة للسخونة وهي البرق؟
والجواب: أن كل ما ذكرتموه على خلاف المعقول وبيانه من وجوه. الأول: أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال: أينما يحصل البرق فلا بد وأن يحصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزق السحاب ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد. الثاني: أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة للطبيعة المائية الموجبة للبرد، وعند حصول هذا العارض القوي كيف تحدث النارية؟ بل نقول: النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها، والسحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية؟ الثالث: من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة، فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة بأجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر؟ فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف وأن حدوث النار الحاصلة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر الحكيم.
النوع الثاني: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: * (وينشئ السحاب الثقال) * قال صاحب " الكشاف ": السحاب اسم جنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة لأنك تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال كما تقول امرأة كريمة ونساء كرام وهي الثقال بالماء.