ولا أثر، وإذا كان الأمر كذلك كان حكمهم بكونها شركاء لله في الإلهية محض السفه والجهل. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن أصحابنا استدلوا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجوه. الأول: أن المعتزلة زعموا أن الحيوانات تخلق حركات وسكنات مثل الحركات والسكنات التي يخلقها الله تعالى، وعلى هذا التقدير فقد جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، ومعلوم أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الذم والإنكار. فدلت هذه الآية على أن العبد لا يخلق فعل نفسه. قال القاضي: نحن وإن قلنا: إن العبد يفعل ويحدث، إلا أنا لا نطلق القول بأنه يخلق ولو أطلقناه لم نقل إنه يخلق كخلق الله، لأن أحدنا يفعل بقدرة الله، وإنما يفعل لجلب منفعة ودفع مضرة، والله تعالى منزه عن ذلك كله، فثبت أن بتقدير كون العبد خالقا، إلا أنه لا يكون خلقه كخلق الله تعالى، وأيضا فهذا الإلزام لازم للمجبرة، لأنهم يقولون عين ما هو خلق الله تعالى فهو كسب العبد وفعل له، وهذا عين الشرك لأن الإله والعبد في خلق تلك الأفعال بمنزلة الشريكين اللذين لا مال لأحدهما إلا وللآخر فيه حق. وأيضا فهو تعالى إنما ذكر هذا الكلام عيبا للكفار وذما لطريقتهم، ولو كان فعل العبد خلقا لله تعالى لما بقي لهذا الذم فائدة، لأن للكفار أن يقولوا على هذا التقدير إن الله سبحانه وتعالى لما خلق هذا الكفر فينا فلم يذمنا عليه ولا ينسبنا إلى الجهل والتقصير مع أنه قد حصل فينا لا بفعلنا ولا باختيارنا.
والجواب عن السؤال الأول: أن لفظ الخلق إما أن يكون عبارة عن الإخراج من العدم إلى الوجود، أو يكون عبارة عن التقدير، وعلى الوجهين فبتقدير أن يكون العبد محدثا فإنه لا بد وأن يكون حادثا. أما قوله: والعبد وإن كان خالقا إلا أنه ليس خلقه كخلق الله.
قلنا: الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين والإخراج من العدم إلى الوجود، ومعلوم أن الحركة الواقعة بقدرة العبد لما كانت مثلا للحركة الواقعة بقدرة الله تعالى، كان أحد المخلوقين مثلا للمخلوق الثاني، وحينئذ يصح أن يقال: إن هذا الذي هو مخلوق العبد مثل لما هو مخلوق لله تعالى بل لا شك في حصول المخالفة في سائر الاعتبارات، إلا أن حصول المخالفة في سائر الوجوه لا يقدح في حصول المماثلة من هذا الوجه وهذا القدر يكفي في الاستدلال. وأما قوله هذا لازم على المجبرة حيث قالوا: إن فعل العبد مخلوق لله تعالى، فنقول هذا غير لازم، لأن هذه الآية دالة على أنه لا يجوز أن يكون خلق العبد مثلا لخلق الله تعالى، ونحن لا نثبت للعبد خلقا البتة، فكيف يلزمنا ذلك؟ وأما قوله: لو كان فعل العبد خلقا لله تعالى، لما حسن ذم الكفار على هذا المذهب.