قلنا: حاصله يرجع إلى أنه لما حصل المدح والذم وجب أن يكون العبد مستقلا بالفعل، وهو منقوض، لأنه تعالى ذم أبا لهب على كفره مع أنه عالم منه أنه يموت على الكفر، وقد ذكرنا أن خلاف المعلوم محال الوقوع، فهذا تقرير هذا الوجه في هذه الآية.
وأما الوجه الثاني: في التمسك بهذه الآية قوله: * (قل الله خالق كل شيء) * ولا شك أن فعل العبد شيء فوجب أن يكون خالقه هو الله وسؤالهم عليه ما تقدم.
والوجه الثالث: في التمسك بهذه الآية وقوله: * (وهو الواحد القهار) * وليس يقال فيه أنه تعالى واحد في أي المعاني، ولما كان المذكور السابق هو الخالقية وجب أن يكون المراد هو الواحد في الخالقية، القهار لكل ما سواه، وحينئذ يكون دليلا أيضا على صحة قولنا.
المسألة الثانية: زعم جهم أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء. اعلم أن هذا النزاع ليس إلا في اللفظ وهو أن هذا الاسم هل يقع عليه أم لا، وزعم أنه لا يقع هذا الاسم على الله تعالى واحتج عليه بأنه لو كان شيئا لوجب كونه خالقا لنفسه، لقوله تعالى: * (الله خالق كل شيء) * ولما كان ذلك محالا، وجب أن لا يقع عليه اسم الشيء، ولا يقال: هذا عام دخله التخصيص، لأن العام المخصوص إنما يحسن إذا كان المخصوص أقل من الباقي وأخس منه كما إذا قال: أكلت هذ الرمانة مع أنه سقطت منها حبات ما أكلها، وههنا ذات الله تعالى أعلى الموجودات وأشرفها، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصا في حقه؟
والحجة الثانية: تمسك بقوله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) والمعنى: ليس مثل مثله شيء، ومعلوم أن كل حقيقة فإنها مثل مثل نفسها، فالباري تعالى مثل مثل نفسه، مع أنه تعالى نبه على أن مثل مثله ليس بشيء، فهذا تنصيص على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيء.
والحجة الثالثة: قوله تعالى: * (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) * (الأعراف: 180) دلت هذه الآية على أنه لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى، ولفظ الشيء يتناول أخس الموجودات، فلا يكون هذا اللفظ مشعرا بمعنى حسن، فوجب أن لا يكون هذا اللفظ من الأسماء الحسنى، فوجب أن لا يجوز دعاء الله تعالى بهذا اللفظ، والأصحاب تمسكوا في إطلاق هذا الاسم عليه تعالى بقوله: * (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) * (الأنعام: 19).
وأجاب الخصم عنه: بأن قوله: * (قل أي شيء أكبر شهادة) * سؤال متروك الجواب، وقوله: * (قل الله شهيد بيني وبينكم) * كلام مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.
المسألة الثالثة: تمسك المعتزلة بهذه الآية في أنه تعالى عالم لذاته لا بالعلم وقادر لذاته لا بالقدرة.