النفس متحدا به وكأن النفس عند حصول ذلك الإشراق تصير غير النفس التي كانت قبل حصول ذلك الإشراق فهذا فرق عظيم بين البابين.
والوجه الثاني: في الفرق أن في الالتذاذ بالفاكهة المدرك هو القوة الذائقة، والمحسوس هو الطعم المخصوص وههنا المدرك هو جوهر النفس القدسية، والمعلوم والمشعور به هو ذات الحق جل جلاله، وصفات جلاله وإكرامه، فوجب أن تكون نسبة إحدى اللذتين إلى الأخرى كنسبة أحد المدركين إلى الآخر.
الوجه الثالث: في الفرق أن اللذات الحاصلة بتناول الفاكهة الطيبة كلما حصلت زالت في الحال، لأنها كيفية سريعة الاستحالة شديدة التغير، أما كمال الحق وجلاله فإنه ممتنع التغير والتبدل واستعداد جوهر النفس لقبول تلك السعادة أيضا ممتنع التغير، فظهر الفرق العظيم من هذا الوجه.
واعلم أن الفرق بين النوعين يقرب أن يكون من وجوه غير متناهية فليكتف بهذه الوجوه الثلاثة تنبيها للعقل السليم على سائرها. وأما الصفة الثانية وهي كون هذه الشجرة ثابتة الأصل، فهذه الصفة في شجرة معرفة الله تعالى أقوى وأكمل، وذلك لأن عروق هذه الشجرة راسخة في جوهر النفس القدسية، وهذا الجوهر جوهر مجرد عن الكون والفساد بعيد عن التغير والفناء، وأيضا مدد هذا الرسوخ إنما هو من تجلي جلال الله تعالى، وهذا التجلي من لوازم كونه سبحانه في ذاته نور النور ومبدأ الظهور، وذلك مما يمتنع عقلا زواله لأنه سبحانه واجب الوجود لذاته، وواجب الوجود في جميع صفاته والتغير والفناء والتبدل والزوال والبخل والمنع محال في حقه، فثبت أن الشجرة الموصوفة بكونها ثابتة الأصل ليست إلا هذه الشجرة.
الصفة الثالثة: لهذه الشجرة كونها بحيث يكون فرعها في السماء.
واعلم أن شجرة المعرفة لها أغصان صاعدة في هواء العالم الإلهي وأغصان صاعدة في هواء العالم الجسماني.
وأما النوع الأول: فهي أقسام كثيرة ويجمعها قوله عليه السلام: " التعظيم لأمر الله " ويدخل فيه التأمل في دلائل معرفة الله تعالى في عالم الأرواح، وفي عالم الأجسام، وفي أحوال عالم الأفلاك والكواكب، وفي أحوال العالم السفلي، ويدخل فيه محبة الله تعالى والشوق إلى الله تعالى والمواظبة على ذكر الله تعالى والاعتماد بالكلية على الله تعالى، والانقطاع بالكلية عما سوى الله تعالى والاستقصاء في ذكر هذه الأقسام غير مطموع فيه لأنها أحوال غير متناهية.
وأما النوع الثاني: فهي أقسام كثيرة ويجمعها قوله عليه السلام: " والشفقة على خلق الله "