الملك والإمارة، ثم أمسى أسيرا حقيرا، وهذا التفاوت أيضا يوجب المباينة بين النوعين. الوجه الثالث: هب أنه وجد الإنسان بعد هذا اليوم يوما آخر في الدنيا، إلا أنه لا يدري هل يمكنه الانتفاع بما جمعه من الأموال والطيبات واللذات أم لا؟ أما كل ما جمعه من موجبات السعادات، فإنه يعلم قطعا أنه ينتفع به في الدار الآخرة. الوجه الرابع: هب أنه ينتفع بها إلا أن انتفاعه بخيرات الدنيا لا يكون خاليا عن شوائب المكروهات، وممازجة المحرمات المخوفات. ولذلك قيل: من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق. فقيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: " سرور يوم بتمامه ". الوجه الخامس: هب أنه ينتفع بتلك الأموال والطيبات في الغد، إلا أن تلك المنافع منقرضة ذاهبة باطلة، وكلما كانت تلك المنافع أقوى وألذ وأكمل وأفضل كانت الأحزان الحاصلة عند انقراضها وانقضائها أقوى وأكمل كما قال الشاعر المتنبي: أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا فثبت بما ذكرنا أن سعادات الدنيا وخيراتها موصوفة بهذه العيوب العظيمة، والنقصانات الكاملة وسعادات الآخرة مبرأة عنها، فوجب القطع بأن الآخرة أكمل وأفضل وأبقى وأتقى وأحرى وأولى. المسألة الثانية: قرأ ابن عامر * (ولدار الآخرة) * بإضافة الدار إلى الآخرة، والباقون * (وللدار الآخرة) * على جعل الآخرة نعتا للدار. أما وجه قراءة ابن عامر فهو أن الصفة في الحقيقة مغايرة للموصوف فصحت الإضافة من هذا الوجه، ونظيره قولهم بارحة الأولى، ويوم الخميس وحق اليقين، وعند البصرين لا تجوز هذه الإضافة، قالوا لأن الصفة نفس الموصوف، وإضافة الشيء إلى نفسه ممتنعة.
واعلم أن هذا بناء على أن الصفة نفس الموصوف وهو مشكل لأنه يعقل تصور الموصوف منفكا عن الصفة، ولو كان الموصوف عين الصفة لكان ذلك محالا، ولقولهم وجه دقيق يمكن تقريره، إلا أنه لا يليق بهذا المكان، ثم إن البصريين ذكروا في تصحيح قراءة ابن عامر وجها آخر، فقالوا لم يجعل الآخرة صفة للدار، لكنه جعلها صفة للساعة، فكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة. فإن قيل: فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم تكون قد أقيمت الآخرة التي هي الصفة مقام الموصوف الذي هو الساعة وذلك قبيح. قلنا لا يقبح ذلك إذا كانت الصفة قد استعملت استعمال