قلنا: جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة قصد بهما معنى واحد وهو المعنى في قوله * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا، كأنه قيل لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه. القول الثاني: ما عليك من حساب رزقهم من شيء فتملهم وتطردهم، ولا حساب رزقك عليهم، وإنما الرازق لهم ولك هو الله تعالى، فدعهم يكونوا عندك ولا تطردهم. وأعلم أن هذه القصة شبيهة بقصة نوح عليه السلام إذ قال له قومه * (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * (الشعراء: 111) فأجابهم نوح عليه السلام و * (قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) * (الشعراء: 112، 113) وعنوا بقولهم * (الأرذلون) * الحاكة والمحترفين بالحرف الخسيسة، فكذلك ههنا. وقوله * (فتطردهم) * جواب النفي ومعناه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم، بمعنى أنه لم يكن عليك حسابهم حتى أنك لأجل ذلك الحساب تطردهم، وقوله * (فتكون من الظالمين) * يجوز أن يكون عطفا على قوله * (فتطردهم) * على وجه التسبب لأن كونه ظالما معلوم طردهم ومسبب له. وأما قوله * (فتكون من الظالمين) * ففيه قولان: الأول: * (فتكون من الظالمين) * لنفسك بهذا الطرد، الثاني: أن تكون من الظالمين لهم لأنهم لما استوجبوا مزيد التقريب والترحيب كان طردهم ظلما لهم، والله أعلم.
قوله تعالى * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننآ أليس الله بأعلم بالشاكرين) * فيه مسائل: المسألة الأولى: أعلم أنه تعالى بين في هذه الآية أن كل واحد مبتلى بصاحبه، فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين في الإسلام مسارعين إلى قبوله فقالوا: لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين وأن نعترف لهم بالتبعية، فكان ذلك يشق عليهم. ونظيره قوله تعالى: * (أألقي الذكر عليه من بيننا) * (القمر: 25) * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الأحقاف: 11) وأما فقراء الصحابة فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحات والمسرات والطيبات والخصب والسعة، فكانوا يقولون كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء مع أنا بقينا في هذه الشدة والضيق والقلة.