بما أمر به، زاده توكيدا بقوله تعالى: * (أنتم به مؤمنون) * لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه.
النوع الثاني: من الأحكام المذكورة في هذا الموضع قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *. قد ذكرنا أنه تعالى بين في هذا الموضع أنواعا من الشرائع والأحكام. بقي أن يقال: أي مناسبة بين هذا الحكم وبين ما قبله حتى يحسن ذكره عقيبه؟ فنقول: قد ذكرنا أن سبب نزول الآية الأولى أن قوما من الصحابة حرموا على أنفسهم المطاعم والملابس واختاروا الرهبانية وحلفوا على ذلك فلما نهاهم الله تعالى عنها قالوا: يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا أنزل الله هذه الآية. واعلم أن الكلام في أن يمين اللغو ما هو قد سبق على الاستقصاء في سورة البقرة في تفسير قوله * (يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * (البقرة: 225) فلا وجه للإعادة. ثم قال تعالى: * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم * (عقدتم) * بتشديد القاف بغير ألف، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم * (عقدتم) * بتخفيف القاف بغير ألف، وقرأ ابن عامر عاقدتم بالألف والتخفيف. قال الواحدي: يقال عقد فلان اليمين والعهد والحبل عقدا إذا وكده وأحكمه، ومثل ذلك أيضا عقد بالتشديد إذا وكد، ومثله أيضا عاقد بالألف. إذا عرفت هذا فنقول: أما من قرأ بالتخفيف فإنه صالح للقليل والكثير، يقال: عقد زيد يمينه، وعقدوا أيمانهم، وأما من قرأ بالتشديد فاعلم أن أبا عبيدة زيف هذه القراءة وقال: التشديد للتكرير مرة بعد مرة فالقراءة بالتشديد توجب سقوط الكفارة عن اليمين الواحدة لأنها لم تتكرر. وأجاب الواحدي رحمه الله عنه من وجهين: الأول: أن بعضهم قال: عقد بالتخفيف والتشديد واحد في المعنى. الثاني: هب أنها تفيد التكرير كما في قوله * (وغلقت الأبواب) * (يوسف: 23) إلا أن هذا التكرير يحصل بأن يعقدها بقلبه ولسانه، ومتى جمع بين القلب واللسان فقد حصل التكرير أما لو عقد اليمين بأحدهما دون الآخر لم يكن معقدا، وأما من قرأ بالألف فإنه من المفاعلة التي تختص بالواحد مثل عافاه الله وطارقت النعل وعاقبت اللص فتكون هذه القراءة كقراءة من خفف.