هذا القول فالجواب سهل لأن قوله * (ان تعذبهم فإنهم عبادك) * يعني ان توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك، وان أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الايمان، وغفرت لهم ما سلف منهم فلك أيضا ذاك على هذا التقدير فلا إشكال. المسألة الثانية: احتج بعض الأصحاب بهذه الآية على شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في حق الفساق قالوا: لأن قول عيسى عليه السلام * (ان تعذبهم فإنهم عبادك) * ليس في حق أهل الثواب لأن التعذيب لا يليق بهم، وليس أيضا في حق الكفار لأن قوله * (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * لا يليق بهم فدل على أن ذلك ليس إلا في حق الفساق من أهل الايمان، وإذا ثبت شفاعة الفساق في حق عيسى عليه السلام ثبت في حق محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى لأنه لا قائل بالفصل. المسألة الثالثة: روى الواحدي رحمه الله أن في مصحف عبد الله (وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم سمعت شيخي ووالدي رحمه الله يقول * (العزيز الحكيم) * هاهنا أولى من الغفور الرحيم، لأن كونه غفورا رحيما يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة لكل محتاج، وأنا العزة والحكمة فهما لا يوجبان المغفرة، فإن كونه عزيزا يقتضي أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه لا اعتراض عليه لأحد فإذا كان عزيزا متعاليا عن جميع جهات الاستحقاق، ثم حكم بالمغفرة كان الكرم هاهنا أتم مما إذا كان كونه غفورا رحيما يوجب المغفرة والرحمة، فكانت عبارته رحمه الله أن يقول: عز عن الكل. ثم حكم بالرحمة فكان هذا أكمل. وقال قوم آخرون: إنه لو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، أشعر ذلك بكونه شفيعا لهم، فلما قال: * (فإنك أنت العزيز الحكيم) * دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه.
ثم قال تعالى: * (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: أجمعوا على أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة، والمعنى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في القيامة، والدليل على أن المراد ما ذكرنا: أن صدق الكفار في القيامة لا ينفعهم، ألا