* (عليكم أنفسكم) * يعني بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات، وينفره عن القبائح والسيئات، والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله * (عليكم أنفسكم) * معناه احفظوا أنفسكم فكان ذلك أمرا بأن نحفظ أنفسنا فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك واجبا. والوجه الرابع: أن الآية مخصوصة بالكفار الذين علم أنه لا ينفعهم الوعظ، ولا يتركون الكفر، بسبب الأمر بالمعروف، فهاهنا لا يجب على الإنسان أن يأمرهم بالمعروف، والذي يؤكد هذا القول ما ذكرنا في سبب النزول أن الآية نازلة في المنافقين، حيث عيروا المسلمين بأخذ الجزية من أهل الكتاب دون المشركين. الوجه الخامس: أن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه أو على عرضه أو على ماله، فهاهنا عليه نفسه لا تضره ضلالة من ضل ولا جهالة من جهل، وكان ابن شبرمة يقول: من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر. الوجه السادس: لا يضركم إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ضلال من ضل فلم يقبل ذلك. الوجه السابع: * (عليكم أنفسكم) * من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم.
والوجه الثامن: أنه تعالى قال لرسوله * (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) * (النساء: 84) وذلك لا يدل على سقوط الأمر بالمعروف عن الرسول فكذا هاهنا. المسألة الخامسة: قرئ لا يضركم بفتح الراء مجزوما على جواب قوله * (عليكم أنفسكم) * وقرئ بضم الراء، وفيه وجهان: أحدهما: على وجه الخبر أي ليس يضركم من ضل، والثاني: أن حقها الفتح على الجواب ولكن ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد.
ثم قال تعالى: * (إلى الله مرجعكم جميعا) * يريد مصيركم ومصير من خالفكم * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * يعني يجازيكم بأعمالكم.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية).