وعلى هذا التقدير: قالوا في الآية محذوف والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار كقوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر) أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لأنه يعرف ذلك بالقرينة المذكورة، كذلك هنا حذف ذكر الحركة، لان ذكر السكون يدل عليه.
(والقول الثاني) أنه ليس المراد من هذا السكون ما هو ضد الحركة، بل المراد منه السكون بمعنى الحلول، كما يقال: فلان يسكن بلد كذا إذا كان محله فيه، ومنه قوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) وعلى هذا التقدير: كان المراد، وله كل ما حصل في الليل والنهار. والتقدير:
كل ما حصل في الوقت والزمان سواء كان متحركا أو ساكنا، وهذا التفسير أولى وأكمل. والسبب فيه ان كل ما دخل تحت الليل والنهار حصل في الزمان فقد صدق عليه أنه انقضى الماضي وسيجئ المستقبل، وذلك مشعر بالتغير وهو الحدوث، والحدوث ينافي الأزلية والدوام، فكل ما مر به الوقت ودخل تحت الزمان فهو محدث. وكل حادث فلا بد له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدما عليه. والمتقدم على الزمان يجب أن يكون مقدما على الوقت والزمان. فلا تجرى عليه الأوقات ولا تمر به الساعات ولا يصدق عليه أنه كان وسيكون.
واعلم أنه تعالى لما بين فيما سبق أنه مالك للمكان وجملة المكانيات ومالك للزمان وجملة الزمانيات، بين أنه سميع عليم لم يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين. والمقصود منه الرد على من يقول الاله تعالى موجب بالذات، فنبه على أنه وإن كان مالكا لكل المحدثات. لكنه فاعل مختار يسمع ويرى ويعلم السر وأخفى، ولما قرر هذه المعاني قال (قل أغير الله أتخذ وليا) واعلم أنه فرق بين أني يقال (أغير الله أتخذ وليا) وبين أن يقال: أتخذ غير الله وليا. لان الانكار إنما حصل على اتخاذ غير الله وليا، لا على اتخاذ الولي، وقد عرفت أنهم يقدمون الأهم فالأهم الذي هم بشأنه أعنى فكان قوله (قل أغير الله أتخذ وليا) أولى من العبارة الثانية، ونظيره قوله تعالى (أفغير الله تأمروني أعبد) وقوله تعالى (آلله أذن لكم) ثم قال (فاطر السماوات والأرض) وقرئ (فاطر السماوات) بالجر صفة لله وبالرفع على إضمار (هو) والنصب على المدح. وقرأ الزهري (فطر السماوات) وعن ابن عباس: ما عرفت (فاطر السماوات) حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر. فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدائها. وقال ابن الأنباري: أصل الفطر شق الشئ عند ابتدائه، فقوله (فاطر السماوات والأرض) يريد خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يحصل فيه الشق والتأليف عند ضم الأشياء إلى بعض، فلما كان الأصل الشق جاز أن يكون في حال شق إصلاح. وفى حال أخرى شق افساد. ففاطر السماوات