جاءهم نهارا وهم لا يشعرون بمقدمته لم يكن جهرة. فأما إذا حملناه على الوجه الذي تقدم ذكره، استقام الكلام. فإن قيل: فما المراد بقوله * (هل يهلك إلا القوم الظالمون) * مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز. قلنا: إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعا عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة؟ أما الظالمون فإذا نزل البلاء بهم فقد خسروا الدنيا والآخرة معا، فلذلك وصفهم الله تعالى بكونهم هالكين وذلك تنبيه على أن المؤمن التقي النقي هو السعيد، سواء كان في البلاء أو في الآلاء والنعماء وأن الفاسق الكافر هو الشقي، كيف دارت قضيته واختلفت أحواله، والله أعلم.
قوله تعالى * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن ءامن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) *.
اعلم أنه تعالى حكى عن الكفار فيما تقدم أنهم قالوا * (لولا نزل عليه آية من ربه) * (الأنعام: 37) وذكر الله تعلى في جوابهم ما تقدم من الوجوه الكثيرة ثم ذكر هذه الآية والمقصود منها أن الأنبياء والرسل بعثوا مبشرين ومنذرين ولا قدرة لهم على إظهار الآيات وإنزال المعجزات، بل ذاك مفوض إلى مشيئة الله تعالى وكلمته وحكمته فقال: * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) * مبشرين بالثواب على الطاعات، ومنذرين بالعقاب على المعاصي، فمن قبل قولهم وأتى بالإيمان الذي هو عمل القلب والاصلاح الذي هو عمل الجسد * (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا العذاب) * ومعنى المس في اللغة التقاء الشيئين من غير فصل. قال القاضي: إنه تعالى علل عذاب الكفار بكونهم فاسقين، وهذا يقتضي أن يكون كل فاسق كذلك، فيقال له هذا