الحبر الذي يكتب به، وهو قول الفراء والكسائي وأبي عبيدة، والله أعلم.
المسألة السادسة: دلت الآية على أنه يحكم بالتوراة النبيون والربانيون والأحبار، وهذا يقتضي كون الربانيين أعلى حالا من الأحبار، فثبت أن يكون الربانيون كالمجتهدين، والأحباء كآحاد العلماء. ثم قال: * (بما استحفظوا من كتاب الله) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حفظ كتاب الله على وجهين: الأول: أن يحفظ فلا ينسى. الثاني: أن يحفظ فلا يضيع، وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين: أحدهما: أن يحفظون في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم، والثاني: أن لا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه. المسألة الثانية: الباء في قوله * (بما استحفظوا من كتاب الله) * فيه وجهان: الأول: أن يكون صلة الأحبار على معنى العلماء بما استحفظوا. الثاني: أن يكون المعنى يحكمون بما استحفظوا، وهو قول الزجاج. ثم قال تعالى: * (وكانوا عليه شهداء) * أي هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار كانوا شهداء على أن كل ما في التوراة حق وصدق ومن عند الله، فلا جرم كانوا يمضون أحكام التوراة ويحفظونها عن التحريف والتغيير.
ثم قال تعالى: * (فلا تخشوا الناس واخشوني) * واعلم أنه تعالى لما قرر أن النبيين والربانيين والأحبار كانوا قائمين بإمضاء أحكام التوراة من غير مبالاة، خاطب اليهود الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعهم من التحريف والتغيير.
واعلم أن إقدام القوم على التحريف لا بد وأن يكون لخوف ورهبة، أو لطمع ورغبة، ولما كان الخوف أقوى تأثيرا من الطمع قدم تعالى ذكره فقال: * (فلا تخشوا النساء واخشون) * والمعنى إياكم وأن تحرفوا كتابي للخوف من الناس والملوك والأشراف، فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم وتستخرجوا الحيل في سقوط تكاليف الله تعالى عنهم، فلا تكونوا خائفين من الناس، بل