ثم قال تعالى: * (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) * قال المفسرون: يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وقوم موسى قالوا: * (أرنا الله جهرة) * (النساء: 153) فصار ذلك وبالا عليهم، وبنو إسرائيل * (قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) * قال تعالى: فما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) * و * (قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) * ( البقرة: 246 - 247) فسألوها ثم كفروا بها، وقوم عيسى سألوا عن أشياء فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك فإن قيل: إنه تعالى قال: أولا: * (لا تسألوا عن أشياء) * (المائدة: 101) ثم قال ههنا: * (قد سألها قوم من قبلكم) * وكان الأولى أن يقول: قد سأل عنها قوم فما السبب في ذلك. قلنا الجواب من وجهين: الأول: أن السؤال عن الشيء عبارة عن السؤال عن حالة من أحواله، وصفة من صفاته، وسؤال الشيء عبارة عن طلب ذلك الشيء في نفسه، يقال: سألته درهما أي طلبت منه الدرهم ويقال: سألته عن الدرهم أي سألته عن صفة الدرهم وعن نعته، فالمتقدمون إنما سألوا من الله إخراج الناقة من الصخرة، وإنزال المائدة من السماء، فهم سألوا نفس الشيء، وأما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهم ما سألوا ذلك، وإنما سألوا عن أحوال الأشياء وصفاتها، فلما اختلف السؤالان في النوع، اختلفت العبارة أيضا إلا أن كلا القسمين يشتركان في وصف واحد، وهو أنه خوض في الفضول، وشروع فيما لا حاجة إليه، وفيه خطر المفسدة، والشيء الذي لا يحتاج إليه ويكون فيه خطر المفسدة، يجب على العاقل الاحتراز عنه، فبين تعالى أن قوم محمد عليه السلام في السؤال عن أحوال الأشياء مشابهون لأولئك المتقدمين في سؤال تلك الأشياء في كون كل واحد منهما فضولا وخوضا فيما لا فائدة فيه. الوجه الثاني: في الجواب أن الهاء في قوله * (قد سألها) * غير عائدة إلى الأشياء التي سألوا عنها، بل عائدة إلى سؤالاتهم عن تلك الأشياء، والتقدير: قد سأل تلك السؤالات الفاسدة التي ذكرتموها قوم من قبلكم، فلما أجيبوا عنها أصبحوا بها كافرين.
قوله تعالى: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * في الآية مسائل: