ثم قال تعالى:
* (ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم) *.
واعلم أنه تعالى لما بالغ في ذمهم وفي تهجين طريقتهم بين أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا، أما سعادات الآخرة فهي محصورة في نوعين: أحدهما: رفع العقاب، والثاني: إيصال الثواب، أما رفع العقاب فهو المراد بقوله * (لكفرنا عنهم سيآتهم) * وأما إيصال الثواب فهو المراد بقوله * (ولأدخلناهم جنات النعيم) *. فإن قيل: الإيمان وحده سبب مستقل باقتضاء تكفير السيئات وإعطاء الحسنات، فلم ضم إليه شرط التقوى؟ قلنا: المراد كونه آتيا بالإيمان لغرض التقوى والطاعة، لا لغرض آخر من الأغراض العاجلة مثل ما يفعله المنافقون ثم قال تعالى:
* (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم سآء ما يعملون) *.
واعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الآخرة، بين في هذه الآية أيضا أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الدنيا ووجدوا طيباتها وخيراتها، وفي إقامة التوراة والإنجيل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعملوا بما فيها من الوفاء بعهود الله فيها، ومن الاقرار باشتمالها في الدلائل الدالة على بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وثانيها: إقامة التوراة إقامة أحكامها وحدودها كما يقال: أقام الصلاة إذا قام بحقوقها، ولا يقال لمن لم يوف بشرائطها: أنه أقامها. وثالثها: أقاموها نصب أعينهم لئلا يزلوا في شيء من حدودها، وهذه الوجوه كلها حسنة لكن الأول أحسن.