المسألة الثانية: في تفسير قول النصارى * (ثالث ثلاثة) * طريقان: الأول: قول بعض المفسرين، وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى للمسيح * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (المائدة: 116) فقوله * (ثالث ثلاثة) * أي أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، والدليل على أن المراد ذلك قوله تعالى في الرد عليهم * (وما من إله إلا إله واحد) * وعلى هذا التقدير ففي الآية إضمار، إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذاهبهم، قال الواحدي ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد به ثالث ثلاثة آلهة، فإنه ما من شيئين إلا والله ثالثهما بالعلم، لقوله تعالى: * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) * (المجادلة: 7). والطريق الثاني: أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون: جوهر واحد، ثلاثة أقانيم أب، وابن، وروح القدس، وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى عيسى اختلاط الماء بالخمر، واختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله، والابن إله، والروح إله، والكل إله واحد. واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل، فإن الثلاثة لا تكون واحدا، والواحد لا يكون ثلاثة، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فسادا وأظهر بطلانا من مقالة النصارى. ثم قال تعالى: * (وما من إله إلا إله واحد) * في * (من) * قولان: أحدهما: أنها صلة زائدة والتقدير: وما إله إلا إله واحد، والثاني: أنها تفيد معنى الاستغراق، والتقدير: وما في الوجود من هذه الحقيقة إلا فرد واحد. ثم قال تعالى: * (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) * قال الزجاج: معناه: ليمسن الذين أقاموا على هذا الدين؛ لأن كثيرا منهم تابوا عن النصرانية.
ثم قال تعالى:
* (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) *.
قال الفراء: هذا أمر في لفظ الاستفهام كقوله * (فهل أنتم منتهون) * (المائدة: 91) في آية تحريم الخمر.