جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلما فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها، والثاني: أنه لما أباح الطيبات حرم الإسراف فيها بقوله تعالى: * (ولا تعتدوا) * ونظيره قوله تعالى * (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) * (الأعراف: 31) الثالث: يعني لما أحل لكم الطيبات فاكتفوا بهذه المحللات ولا تتعدوها إلى ما حرم عليكم.
ثم قال تعالى: * (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قوله * (وكلوا) * صيغة أمر، وظاهرها للوجوب لا أن المراد ههنا الإباحة والتحليل. واحتج أصحاب الشافعي به في أن التطوع لا يلزم بالشروع، وقالوا: ظاهر هذه الآية يقتضي إباحة الأكل على الاطلاق فيتناول ما بعد الشروع في الصوم، غايته أن خص في بعض الصور إلا أن العام حجة في غير محل التخصيص. المسألة الثانية: قوله * (حلالا طيبا) * يحتمل أن يكون متعلقا بالأكل، وأن يكون متعلقا بالمأكول، فعلى الأول يكون التقدير: كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله، وعلى التقدير الثاني: كلوا من الرزق الذي يكون حلالا طيبا، أما على التقدير الأول فإنه حجة المعتزلة على أن الرزق لا يكون إلا حلالا، وذلك لأن الآية على هذا التقدير دالة على الاذن في أكل كل ما رزق الله تعالى وإنما يأذن الله تعالى في أكل الحلال، فيلزم أن يكون كل ما كان رزقا كان حلالا، وأما على التقدير الثاني فإنه حجة لأصحابنا على الرزق قد يكون حراما لأنه تعالى خصص إذن الأكل بالرزق الذي يكون حلالا طيبا ولولا أن الرزق قد لا يكون حلالا وإلا لم يكن لهذا التخصيص والتقييد فائدة. المسألة الثالثة: لم يقل تعالى: كلوا ما رزقكم، لكن قال * (كلوا مما رزقكم لله) * وكلمة (من) للتبعيض، فكأنه قال: اقتصروا في الأكل على البعض واصرفوا البقية إلى الصدقات والخيرات لأنه إرشاد إلى ترك لإسراف كما قال: * (ولا تسرفوا) * (الأنعام: 141) (الأعراف: 31). المسألة الرابعة: * (وكلوا مما رزقكم الله) * يدل على أنه تعالى قد تكفل برزق كل أحد. فإنه لو لم يتكفل برزقه لم قال * (كلوا مما رزقكم الله) * وإذا تكفل الله برزقه وجب أن لا يبالغ في الطلب وأن يعول على وعد الله تعالى وإحسانه، فإنه أكرم من أن يخلف الوعد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " أما قوله * (واتقوا الله) * فهو تأكيد للتوصية