وحصول الاعراض عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة. وسادسها: قوله * (فهل أنتم منتهون) * وهو من أبلغ ما ينتهي به كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع المفاسد والقبائح فهل أنتم منتهون مع هذه الصوارف؟ أم أنتم على ما كنتم عليه حين لم توعظوا بهذه المواعظ. وسابعها: أنه تعالى قال بعد ذلك.
* (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) * فظاهره أن المراد وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالاجتناب عن الخمر والميسر، وقوله * (واحذروا) * أي احذروا عن مخالفتها في هذه التكاليف. وثامنها: قوله: * (فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين) * وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف في هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم الله، وبيانه، يعني أنكم إن توليتم فالحجة قد قامت عليكم والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ والاعذار والانذار، فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى الله تعالى، ولا شك أنه تهديد شديد، فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية دليلا قاهرا وبرهانا باهرا في تحريم الخمر. واعلم أن من أنصف وترك الاعتساف علم أن هذه الآية نص صريح في أن كل مسكر حرام، وذلك لأنه تعالى لما ذكر قوله * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) * (المائدة: 91) قال بعده * (فهل أنتم منتهون) * فرتب النهي عن شرب الخمر على كون الخمر مشتملة على تلك المفاسد، ومن المعلوم في بدائه العقول أن تلك المفاسد إنما تولدت من كونها مؤثرة في السكر وهذا يفيد القطع بأن علة قوله * (فهل أنتم منتهون) * هي كون الخمر مؤثرا في الاسكار، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كل مسكر حرام، ومن أحاط عقله بهذا التقدير وبقي مصرا على قوله فليس لعناده علاج، والله أعلم.