ويقرب منه قوله صلى الله عليه وسلم: " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته تصدق بعرضه على الناس " وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من تصدق من جسده بشيء كفر الله تعالى عنه بقدره من ذنوبه " وهذا قول أكثر المفسرين. والقول الثاني: أن الضمير في قوله * (فهو كفارة له) * عائد إلى القاتل والجارح، يعني أن المجني عليه إذا عفا عن الجاني صار ذلك العفو كفارة للجاني، يعني لا يؤاخذه الله تعالى بعد ذلك العفو، وأما المجني عليه الذي عفا فأجره على الله تعالى. ثم قال تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * وفيه سؤال، وهو أنه تعالى قال أولا: * (فأولئك هم الكافرون) * (المائدة: 44) وثانيا: * (هم الظالمون) * والكفر أعظم من الظلم، فلما ذكر أعظم التهديدات أولا، فأي فائدة في ذكر الأخف بعده؟ وجوابه: أن الكفر من حيث أنه إنكار لنعمة المولى وجحود لها فهو كفر، ومن حيث إنه يقتضي إبقاء النفس في العقاب الدائم الشديد فهو ظلم على النفس، ففي الآية الأولى ذكر الله ما يتعلق بتقصيره في حق الخالق سبحانه، وفي هذه الآية ذكر ما يتعلق بالتقصير في حق نفسه.
قوله تعالى * (وقفينا على ءاثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وءاتيناه الإنجيل فيه هدى ونورا ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) *.
قفيته: مثل عقبته إذا اتبعته، ثم يقال: عقبته بفلان وقفيته به، فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء. فإن قيل: فأين المفعول الأول في الآية؟ قلنا: هو محذوف، والظرف وهو قوله * (على آثارهم) * كالساد مسده، لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه، والضمير في * (آثارهم) * للنبيين في قوله * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * (المائدة: 44) وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: أنه تعالى وصف عيسى ابن مريم بكونه مصدقا لما بين يديه من التوراة،