أبي: لكني لا أتبرأ منهم لأني أخاف الدوائر، فنزلت هذه الآية، ومعنى لا تتخذوهم أولياء: أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم، ولا تتوددوا إليهم. ثم قال: * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * قال ابن عباس: يريد كأنه مثلهم، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانية المخالف في الدين، ونظيره قوله * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (البقرة: 249).
ثم قال: * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن لي كاتبا نصرانيا، فقال: مالك قاتلك الله، ألا اتخذت حنيفا، أما سمعت قول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * قلت: له دينه ولي كتابته، فقال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله، قلت: لا يتم أمر البصرة إلا به، فقال: مات النصراني والسلام، يعني هب أنه قد مات فما تصنع بعده، فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره.
ثم قال تعالى: * (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * وأعلم أن المراد بقوله * (الذين في قلوبهم مرض) * المنافقون: مثل عبد الله بن أبي وأصحابه، وقوله * (يسارعون فيهم أي يسارعون في مودة اليهود ونصارى نجران، لأنهم كانوا أهل ثروة وكانوا يعينونهم على مهماتهم ويقرضونهم ، ويقول المنافقون: إنما نخالطهم لأنا نخشى أن تصيبنا دائرة. قل الواحدي رحمه الله: الدائرة من دوائر الدهر كالدولة، وهي التي تدور من قوم إلى قوم، والدائرة هي التي تخشى، كالهزيمة والحوادث المخوفة، فالدوائر تدور، والدوائل تدول. قال الزجاج: أي نخشى أن لا يتم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم فيدور الأمر كما كان قبل ذلك.
ثم قال تعالى: * (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) *.
قال المفسرون (عسى) من الله واجب، لأن الكريم إذا أطمع في خير فعله، فهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له، والمعنى: فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسول الله على أعدائه وإظهار