فيه مسألتان: المسألة الأولى: الحزب في اللغة أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه، وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبهم، وللمفسرين عبارات. قال الحسن: جند الله، وقال أبو روق: أولياء الله وقال أبو العالية: شيعة الله، وقال بعضهم: أنصار الله. وقال الأخفش: حزب الله الذين يدينون بدينه ويطيعونه فينصرهم. المسألة الثانية: قوله * (فإن حزب الله هم الغالبون) * جملة واقعة موقع خبر المبتدأ، والعائد، غير مذكور لكونه معلوما، والتقدير فهو غالب لكونه من جند الله وأنصاره.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أوليآء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * اعلم أنه تعالى نهى في الآية المتقدمة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وساق الكلام في تقريره، ثم ذكر ههنا النهي العام عن موالاة جميع الكفار وهو هذه الآية، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ أبو عمرون والكسائي * (الكفار) * بالجر عطفا على قوله * (من الذين أوتوا الكتاب) * ومن الكفار، والباقون بالنصب عطفا على قوله * (الذين اتخذوا) * بتقدير: ولا الكفار. المسألة الثانية: قيل: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهر الإيمان ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. المسألة الثالثة: هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة، وقوه * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) * (البينة: 1) صريح في كونهم كفارا، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر. والله أعلم. المسألة الرابعة: معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) * (البقرة: 14) والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزوا وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصارا وأحبابا، فإن ذلك الأمر الخارج عن العقل والمروءة.