ثم قال تعالى:
* (وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) *.
المسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة. قيل: الإثم الكذب، والعدوان الظلم. وقيل: الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم، وأما أكل السحت فهو أخذ الرسوة، وقد تقدم الاستقصاء في تفسير السحت، وفي الآية فوائد: الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: * (وترى كثيرا منهم) * والسبب أن كلهم ما كان يفعل ذلك، بل كان بعضهم يستحيي فيترك. الفائدة الثانية: أن لفظ المسارعة إنما يستعمل في أكثر الأمر في الخير. قال تعالى: * (يسارعون في الخيرات) * (آل عمران: 114) وقال تعالى: * (نسارع لهم في الخيرات) * (المؤمنون: 56) فكان اللائق بهذا الموضع لفظ العجلة، إلا أنه تعالى ذكر لفظ المسارعة لفائدة، وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنهم محقون فيه. الفائدة الثالثة: لفظ الاثم يتناول جميع المعاصي والمنهيات، فلما ذكر الله تعالى بعده العدوان وأكل السحت دل هذا على أن هذين النوعين أعظم أنواع المعصية والإثم ثم قال تعالى:
* (لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) *.
معنى * (لولا) * هاهنا التخصيص والتوبيخ، وهو بمعنى هلا، والكلام في تفسير الربانيين والأحبار قد تقدم. قال الحسن: الربانيون علماء أهل الإنجيل، والأحبار علماء أهل التوراة. وقال غيره: كله في اليهود لأنه متصل بذكرهم، والمعنى أن الله تعالى استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي، وذلك يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه، لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد، بل نقول: إن ذم تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه، لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد، بل نقول: إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى لأنه تعالى قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكل السحت * (لبئس ما كانوا يعملون) * (المائدة: 62) وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر * (لبئس ما كانوا يصنعون) * والصنع أقوى من العمل لأن العمل