اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين اعلم أنه تعالى: لما أمر بحفظ النفس في قوله (عليكم أنفسكم) أمر بحفظ المال في قوله (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) وفيه مسألتان:
(المسألة الأولى) اتفقوا على أن سبب نزول هذه الآية أن تميما الداري وأخاه عديا كانا نصرانيين خرجا إلى الشام ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما مهاجرا، خرجوا للتجارة فلما قدموا الشام مرض بديل فكتب كتابا فيه نسخة جميع ما معه وألقاه فيما بين الأقمشة لم يخبر صاحبه بذلك، ثم أوصى إليهما وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل فأخذا من متاعه إناء من فضة منقوشا بالذهب ثلثمائة مثقال، ودفعا باقي المتاع إلى أهله لما قدما، ففتشوا فوجدوا الصحيفة، وفيها ذكر الاناء فقالوا التميم وعدى: أين الاناء؟ فقالا لا ندري، والذي رفع إلينا دفعناه إليكم، فرفعوا الواقعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، (المسألة الثانية) قوله (شهادة بينكم) يعنى شهادة ما بينكم وما بينكم كناية عن التنازع والتشاجر، وإنما أضاف الشهادة إلى التنازع لان الشهود إنما يحتاج إليهم عند وقوع التنازع، وحذف ما من قوله (شهادة بينكم) جائز لظهوره، ونظيره قوله (هذا فراق بيني وبينك) أي ما بيني وبينك، وقوله (لقد تقطع بينكم) في قراءة من نصب، وقوله (إذا حصر أحدكم الموت حين الوصية) يعنى الشهادة المحتاج إليها عند حضور الموت، وحين الوصية بدل من قوله (إذا حضر أحدكم) لان زمان حضور الموت هو زمان حضور الوصية، فعرف ذلك الزمان بهذين الامرين الواقعين فيه، كما يقال:
ائتني إذا زالت الشمس حين صلاة الظهر، والمراد بحضور الموت مشارفته وظهور أمارات وقوعه، كقوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) قالوا وقوله (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية) دليل على وجوب الوصية، لأنه تعالى جعل زمان حضور الموت غير زمان الوصية، وهذا إنما يكون إذا كانا متلازمين، وإنما تحصل هذه الملازمة عند وجوب الوصية.
ثم قال تعالى (اثنان ذوا عدل منكم) وفيه مسألتان: