وههنا دقيقة نافعة في طلب الدين وهو أن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الإلهيات وفي النبوات، واليهود لا ينازعون إلا في النبوات، ولا شك في أن الأول أغلظ، ثم إن النصارى مع غلظ كفرهم لما لم يشتد حرصهم على طلب الدنيا بل كان في قلبهم شيء من الميل إلى الآخرة شرفهم الله بقوله * (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) * وأما اليهود مع أن كفرهم أخف في جنب كفر النصارى طردهم وخصهم الله بمزيد اللعن وما ذاك إلا بسبب حرصهم على الدنيا، وذلك ينبهك على صحة قوله صلى الله عليه وسلم: " حب الدنيا رأس كل خطيئة ". المسألة الثانية: القس والقسيس اسم لرئيس النصارى، والجمع القسيسون. وقال عروة بن الزبير: صنعت النصارى الإنجيل وأدخلت فيه م ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين، وكان سمه قسيسا، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس. قال قطرب: القس والقسيس العالم بلغة الروم، وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين، وأما الرهبان فهو جمع راهب كركبان وراكب، وفرسان وفارس، وقال بعضهم: لرهبان واحد، وجمعه رهابين كقربان وقرابين، وأصله من الرهبة بمعنى المخافة. فإن قيل: كيف مدحهم الله تعالى بذلك مع قوله * (ورهبانية ابتدعوها) * (الحديد: 27) وقوله عليه لصلاة والسلام: " لا رهبانية في الإسلام ". قلنا: إن ذلك صار ممدوحا في مقابلة طريقة اليهود في القساوة والغلظة، ولا يلزم من هذا القدر كونه ممدوحا على الإطلاق.
ثم قال تعالى: * (وإذا سمعوا م أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع) * الضمير في