بسم الله الرحمن الرحيم * (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهدآء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا باياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *.
قوله تعالى: * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) *. اعلم أن هذا تنبيه من الله تعالى لليهود المنكرين لوجوب الرجم، وترغيب لهم في أن يكونوا كمتقدميهم من مسلمي أحبارهم والأنبياء المبعوثين إليهم، وفيه مسائل: المسألة الأولى: العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فوجب حصول الفرق بين الهدى والنور، فالهدى محمول على بيان الأحكام والشرائع والتكاليف، والنور بيان للتوحيد والنبوة والمعاد. قال الزجاج * (فيها هدى) * أي بيان الحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم * (ونور) * بيان أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن شرع من قبلنا لازم علينا إلا إذا قام الدليل على صيرورته منسوخا بهذه الآية؛ وتقريره أنه تعالى قال: إن في التوراة هدى ونورا. والمراد كونه هدى ونورا في أصول الشرع وفروعه، ولو كان منسوخا غير معتبر الحكم بالكلية لما كان فيه هدى ونور، ولا يمكن أن يحمل الهدى والنور على ما يتعلق بأصول الدين فقط، لأنه ذكر الهدى والنور، ولو كان المراد منهما معا هو ما يتعلق بأصول الدين لزم التكرار، وأيضا أن هذه الآية إنما نزلت في مسألة الرجم، فلا بد وأن تكون الأحكام الشرعية داخلة في الآية، لأنا وإن اختلفنا في أن غير سبب نزول الآية هل يدخل فيها أم لا، لكنا توافقنا على أن سبب نزول الآية يجب أن يكون داخلا فيها.