المسألة الثانية: قوله * (وقفوا) * يقال وقفته وقفا، ووقفته وقوفا كما يقال رجعته رجوعا. قال الزجاج: ومعنى * (وقفوا على النار) * يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: يجوز أن يكون قد وقفوا عندها وهم يعاينونها فهم موقوفون على أن يدخلوا النار. والثاني: يجوز أن يكونوا وقفوا عليها وهي تحتهم، بمعنى أنهم وقفوا فوق النار على الصراط، وهو جسر فوق جهنم. والثالث: معناه عرفوا حقيقتها تعريفا من قولك وقفت فلانا على كلام فلان؛ أي علمته معناه وعرفته، وفيه وجه رابع: وهم أنهم يكونون في جوف النار، وتكون النار محيطة بهم، ويكونون غائصين فيها وعلى هذا التقدير فقد أقيم (على) مقام (في) وإنما صح على هذا التقدير، أن يقال: وقفوا على النار، لأن النار دركات وطبقات، وبعضها فوق بعض فيصح هناك معنى الاستعلاء. فإن قيل: فلماذا قال * (ولو ترى) *؟ وذلك يؤذن بالاستقبال ثم قال بعده إذ وقفوا وكلمة * (إذ) * للماضي ثم قال بعده، فقالوا وهو يدل على الماضي. قلنا: أن كلمة (إذ تقام مقام (إذا) إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد، وإزالة الشبهة لأن الماضي قد وقع واستقر، فالتعبير عن المستقبل باللفظ الموضوع للماضي، يفيد المبالغة من هذا الاعتبار. المسألة الثالثة: قال الزجاج: الإمالة في النار حسنة جيدة، لأن ما بعد الألف مكسور وهو حرف الراء، كأنه تكرر في اللسان فصارت الكسرة فيه كالكسرتين. أما قوله تعالى: * (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * ففيه مسائل: المسألة الأولى: قوله * (يا ليتنا نرد) * يدل على أنهم قد تمنوا أن يردوا إلى الدنيا. فأما قوله * (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * ففيه قولان: أحدهما: أنه داخل في التمني والتقدير أنهم تمنوا أن يردوا إلى الدنيا ولا يكونوا مكذبين وأن يكونوا مؤمنين. فإن قالوا هذا باطل لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم كاذبين بقوله في آخر الآية * (وإنهم لكاذبون) * والمتمني لا يوصف بكونه كاذبا. قلنا: لا نسلم أن المتمني لا يوصف بكونه كاذبا لأن من أظهر التمني، فقد أخبر ضمنا كونه مريدا لذلك الشيء فلم يبعد تكذيبه فيه، ومثاله أن يقول الرجل: ليت الله يرزقني مالا فأحسن إليك، فهذا تمن في حكم الوعد، فلو رزق مالا ولم يحسن إلى صاحبه لقيل إنه كذب في وعده.
(١٩١)