قوله تعالى * (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) *.
وجه النظم أنه تعالى لما نهى في الآيات المتقدمة عن موالاة الكفار أمر في هذه الآية بموالاة من يجب موالاته وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * أي المؤمنون الموصوفون بالصفات المذكورة، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في قوله * (والذين آمنوا) * قولان: الأول: أن المراد عامة المؤمنين، وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال: أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير، وأتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية يعلى وفق قوله. وروي أيضا أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، فعلى هذا: الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمنا فهو ولي كل المؤمنين، ونظيره قوله تعالى: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * (التوبة: 71) وعلى هذا فقوله * (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) * صفة لك المؤمنين، والمراد بذكر هذه الصفات تمييز عن المنافقين لأنهم كانوا يدعون الإيمان، إلا أنهم ما كانوا مداومين على الصلوات والزكوات، قال تعالى في صفة صلاتهم * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * (التوبة: 54) وقال: * (يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) * (النساء: 142) وقال في صفة زكاتهم * (أشحة على الخير) * (الأحزاب: 19) وأما قوله * (وهم راكعون) * ففيه على هذا القول وجوه: الأول: قال أبو مسلم: المراد من الركوع الخضوع، يعني " أنهم يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه والثاني: أن يكون المراد: من شأنهم إقامة الصلاة، وخص الركوع بالذكر تشريفا له كما في قوله * (واركعوا مع الراكعين) * (البقرة: 43) والثالث: قال بعضهم: إن أصحابه كانوا عند نزول هذه الآية مختلفون في هذه الصفات، منهم من قد أتم الصلاة، ومنهم من دفع المال إلى الفقير، ومنهم من كان بعد في الصلاة وكان راكعا، فلما كانوا مختلفين في هذه الصفات لا جرم ذكر الله تعالى كل هذه الصفات.