علموا أن قولهم لا يفيد خيرا، ولا يدفع شرا فرأوا أن الأدب في السكوت، وفي تفويض الأمر إلى عدل الحي القيوم الذي لا يموت. المسألة الرابعة: قرئ * (علام الغيوب) * بالنصب. قال صاحب " الكشاف " والتقدير أن الكلام قد تم بقوله * (إنك أنت) * أي أنت الموصوف بأوصافك المعروفة، من العلم وغيره. ثم نصب * (علام الغيوب) * على الاختصاص، أو على النداء، أو وصفا لاسم إن. المسألة الخامسة: دلت على جواز إطلاق لفظ العلام عليه، كما جاز إطلاق لفظ الخلاق عليه. أما العلامة فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إطلاقها في حقه ولعل السبب ما فيه من لفظ التأنيث.
قوله تعالى: * (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنا بينا أن الغرض من قوله تعالى للرسل * (ماذا أجبتم) * (المائدة: 109) توبيخ من تمرد من أممهم وأشد الأمم افتقارا إلى التوبيخ والملام النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام لأن طعن سائر الأمم كان مقصورا على الأنبياء وطعن هؤلاء الملاعين تعدى إلى جلال الله وكبريائه حيث وصفوه بما لا يليق بعاقل أن يصف الإله به، وهو اتخاذ الزوجة والولد فلا جرم ذكر الله تعالى أنه يعدد أنواع نعمه على عيسى بحضرة الرسل واحدة فواحدة والمقصود منه توبيخ النصارى وتقريعهم على سوء مقالتهم فإن كل واحدة من تلك النعم المعدودة على عيسى تدل على أنه عبد وليس بإله. والفائدة في هذه الحكاية تنبيه النصارى الذين كانوا في وقت نزول هذه الآية على قبح مقالتهم وركاكة مذهبهم واعتقادهم. المسألة الثانية: موضع * (إذ) * يجوز أن يكون رفعا بالابتداء على معنى ذاك إذ بقال الله، ويجوز أن يكون المعنى أذكر إذ قال الله. المسألة الثالثة: خرج قوله * (إذا قال الله) * على لفظ الماضي دون المستقبل وفيه وجوه: الأول: الدلالة على قرب القيامة حتى كأنها قد قامت ووقعت وكل آت قريب ويقال: الجيش قد أتى، إذا قرب إتيانهم. قال الله تعالى: * (أتى أمر الله) * (النحل: 1) الثاني: أنه ورد على حكاية الحال ونظيره قول الرجل لصاحبه كأنك بنا وقد دخلنا بلدة كذا فصنعنا فيها كذا إذ صاح صائح فتركتني وأجبته. ونظيره من القرآن قوله تعالى: * (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) * (سبأ: 51) * (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) * (الأنفال: 50) * (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) * (سبأ: 31) والوجه في كل هذه الآيات ما ذكرناه، من أنه خرج على