ثم قال تعالى: * (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المفسرون ذكروا فيه عبارات تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي وقيل: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك، وقيل: تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وقيل: تعلم ما كان مني في الدنيا ولا أعلم ما كان منك في الآخرة، وقيل: تعلم ما أقول وأفعل، ولا أعلم ما تقول وتفعل. المسألة الثانية: تمسكت المجسمة بهذه الآية وقالوا: النفس هو الشخص وذلك يقتضي كونه تعالى جسما. والجواب من وجهين: الأول: أن النفس عبارة عن الذات، يقال نفس الشئ وذاته بمعنى واحد، والثاني: أن المراد تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ولكنه ذكر هذا الكلام على طريق المطابقة والمشاكلة وهو من فصيح الكلام. ثم قال تعالى: * (إنك أنت علام الغيوب) * وهذا تأكيد للجملتين المتقدمتين أعني قوله * (إن كنت قلته فقد علمته) * وقوله * ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * ثم قال تعالى حكاية عن عيسى * (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم) * أن مفسرة والمفسر هو الهاء في به الراجع إلى القول المأمور به والمعنى ما قلت لهم إلا قولا أمرتني به إلا أنه وضع القول موضع الأمر، نزولا على موجب الأدب الحسن، لئلا يجعل نفسه وربه أمرين معا، ودل على الأصل بذكر أن المفسرة.
ثم قال تعالى: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * أي كنت أشهد على ما يفعلون ما دمت مقيما فيهم. * (فلما توفيتني) * والمراد منه، وفاة الرفع إلى السماء، من قوله * (إني متوفيك ورافعك إلي) * (آل عمران: 55).