أبواب كل شئ ونقلناهم من البأساء والضراء إلى الراحة والرخاء وأنواع الآلاء والنعماء والمقصود أنه تعالى عاملهم بتسليط المكاره والشدائد عليهم تارة فلم ينتفعوا به، فنقلهم من تلك الحالة إلى ضده وهو فتح أبواب الخيرات عليهم وتسهيل موجبات المسرات والسعادات لديهم فلو ينتفعوا به أيضا.
وهذا كما يفعله الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلبا لصلاحه. حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتداب لشكر ولا اقدام على اعتذار وتوبة، فلا جرم أخذناهم بغتة واعلم أن قوله (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) معناه فتحنا عليهم أبواب كل شئ كان مغلقا عنهم من الخير، (حتى إذا فرحوا) أي حتى إذا ظنوا أن الذي نزل بهم من البأساء والضراء ما كان على سبيل الانتقام من الله. ولما فتح الله عليهم أبواب الخيرات ظنوا ان ذلك باستحقاقهم، فعند ذلك ظهر أن قلوبهم قست وماتت. وانه لا يرجى لها انتباه بطريق من الطرق، لا جرم فاجأهم الله بالعذاب من حيث لا يشعرون. قال الحسن: في هذه الآية مكر بالقوم ورب الكعبة، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطى على المعاصي فان ذلك استدراج من الله تعالى ثم قرأ هذه الآية. قال أهل المعاني: وانما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد لتحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية وقوله (فإذا هم مبلسون) أي آيسون من كل خير. قال الفراء: المبلس الذي انقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي سكت عند انقطاع حجته قد أبلس. وقال الزجاج: المبلس الشديد الحسرة الحزين، والابلاس في اللغة يكون بمعنى اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، ويكون بمعنى انقطاع الحجة، ويكون بمعنى الحيرة بما يرد على النفس من الليلة. وهذه المعاني متقاربة ثم قال تعالى (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) الدابر التابع للشئ من خلفه كالولد للوالد يقال: دبر فلان القوم يدبرهم دبورا ودبرا إذا كان آخرهم. قال أمية بن أبي الصلت:
فاستؤصلوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا وقال أبو عبيدة: دابر القوم آخرهم الذي يدبرهم. وقال الأصمعي الدابر الأصل يقال قطع الله دابره أي أذهب الله أصله. وقوله (والحمد لله رب العالمين) فيه وجوه: الأول: معناه أنه تعالى حمد نفسه على أن قطع دابرهم واستأصل شأفتهم لان ذلك كان جاريا مجرى النعمة العظيمة على أولئك الرسل في إزالة شرهم عن أولئك الأنبياء. والثاني: انه تعالى لما علم قسوة قلوبهم لزم أن يقال: انه كلما ازدادت مدة حياتهم ازدادت أنواع كفرهم ومعاصيهم، فكانوا يستوجبون به مريد العقاب والعذاب. فكان افناؤهم وأمانتهم في تلك الحالة موجبا ان لا يصيروا مستوجبين