ابتداء منه بذكر الحق سبحانه وتعالى، وقوله * (أنزل علينا) * انتقال من الذات إلى الصفات، وقوله * (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) * إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها صادرة عن المنعم وقوله * (وآية منك) * إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال وقوله * (وارزقنا) * إشارة إلى حصة النفس وكل ذلك نزول من حضرة الجلال. فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدون فالأدون. ثم قال: * (وأنت خير الرازقين) * وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق ومن غير الله إلى الله ومن الأخس إلى الأشرف، وعند ذلك تلوح لك شمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية الإلهية ونزولها اللهم اجعلنا من أهله. المسألة الثالثة: في قراءة زيد * (يكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) * والتأنيث بمعنى الآية. ثم قال تعالى:
* (قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن عامر وعاصم ونافع * (منزلها) * بالتشديد، والباقون بالتخفيف وهما لغتان نزل وأنزل وقيل: بالتشديد أي منزلها مرة بعد أخرى، وبالتخفيف مرة واحدة. المسألة الثانية: * (فمن يكفر بعد منكم) * أي بعد إنزال المائدة * (فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) * قال ابن عباس: يعني مسخهم خنازير وقيل: قردة وقيل: جنسا من العذاب لا يعذب به غيرهم. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك العذاب معجلا لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون مؤخرا إلى الآخرة، وقوله * (من العالمين) * يعني عالمي زمانهم. المسألة الثالثة: قيل: إنهم سألوا عيسى عليه السلام هذا السؤال عند نزولهم في مفازة على غير ماء ولا طعام ولذلك قالا نريد أن نأكل منها. المسألة الرابعة: اختلفوا في أن عيسى عليه السلام هل سأل المائدة لنفسه أو سألها لقومه وإن كان قد أضافها إلى نفسه في الظاهر وكلاهما محتمل والله أعلم. المسألة الخامسة: اختلفوا في أنه هل نزلت المائدة. فقال الحسن ومجاهد: ما نزلت واحتجوا