فهذا يقتضي أن هذا الانتقام كاف في هذا الذنب، وكونه كافيا يمنع من وجوب شيء آخر، وذلك يقتضي أن لا يجب الجزاء عليه. المسألة الثانية: قال سيبويه في قوله * (ومن عاد فينتقم الله منه) * وفي قوله * (ومن كفر فأمتعه قليلا) * (البقرة: 126) وفي قوله * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف) * (الجن: 13) إن في هذه الآيات إضمارا مقدرا والتقدير: ومن عاد فهو ينتقم الله منه، ومن كفر فأنا أمتعه، ومن يؤمن بربه فهو لا يخاف، وبالجملة فلا بد من إضمار مبتدأ يصير ذلك الفعل خبرا عنه، والدليل عليه: أن الفعل يصير بنفسه جزاء، فلا حاجة إلى إدخال حرف الجزاء عليه فيصير إدخال حرف الفاء على الفعل لغوا أما إذا أضمرنا المبتدأ احتجنا إلى إدخال حرف الفاء عليه ليرتبط بالشرط فلا تصير الفاء لغوا والله أعلم.
قوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: المراد بالصيد المصيد، وجملة ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس، الحيتان وجميع أنواعها حلال، والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلفوا فيما سوى هذين. فقال أبو حنيفة رحمه الله إنه حرام. وقال ابن أبي ليلى والأكثرون إنه حلال، وتمسكوا فيه بعموم هذه الآية، والمراد بالبحر جميع المياه والأنهار. المسألة الثانية: أنه تعالى عطف طعام البحر على صيده والعطف يقتضي المغايرة وذكروا فيه وجوها: الأول: وهو الأحسن ما ذكره أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه هذا هو الأصح مما قيل في هذا الموضع. والوجه الثاني: أن صيد البحر هو الطري، وأما طعام البحر فهو الذي جعل مملحا، لأنه لما صار عتيقا سقط اسم الصيد عنه، وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومقاتل والنخعي وهو ضعيف لأن الذي صار مالحا فقد كان طريا وصيدا في أول الأمر فيلزم التكرار. والثالث: أن الاصطياد قد يكون للأكل وقد يكون لغيره مثل اصطياد الصدف لأجل اللؤلؤ، واصطياد بعض الحيوانات البحرية لأجل عظامها وأسنانها فقد حصل التغاير بين الاصطياد من البحر وبين الأكل من طعام البحر والله أعلم.