أنهما خصا بالذكر بعد ذكر الكتب على سبيل التشريف كقوله * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * (البقرة: 238) وقوله * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * (الأحزاب: 7) والثاني: وهو الأقوى أن الاطلاع على أسرار الكتب الإلهية، لا يحصل إلا لمن صار بانيا في أصناف العلوم الشرعية والعقلية الظاهرة التي يبحث عنها العلماء. فقوله * (والتوراة والإنجيل) * إشارة إلى الأسرار التي لا يطلع عليها أحد إلا أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ورابعها: قوله تعالى: * (وإذ تخلق من الطين كهيأة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع * (فتكون طائرا) * والباقون * (طيرا) * بغير ألف وطير جمع طائر كضأن وضائن وركب وراكب. المسألة الثانية: أنه تعالى ذكر ههنا * (فتنفخ فيها) * وذكر في آل عمران * (فأنفخ فيه) * (آل عمران: 49). والجواب: أن قوله * (كهيئة الطير) * أي هيئة مثل هيئة الطير فقوله * (فتنفخ فيها) * الضمير للكاف، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا نفخه في شيء.
إذا عرفت هذا فنقول: الكاف تؤنث بحسب المعنى لدلالتها على الهيئة التي هي مثل هيئة الطير وتذكر بحسب الظاهر. وإذا كان كذلك جاز أن يقع الضمير عنها تارة على وجه التذكير وأخرى على وجه التأنيث. المسألة الثالثة: أنه تعالى اعتبر الأذن في خلق الطين كهيئة الطير، وفي صيرورته ذلك الشيء طيرا. وإنما أعاد قوله * (باذني) * تأكيدا لكون ذلك واقعا بقدرة الله تعالى وتخليقه لا بقدرة عيسى وإيجاده. وخامسها: قوله تعالى: * (وتبرئ الأكمه والأبرص باذني) * وإبراء الأكمه والأبرص معروف وقال الخليلي الأكمه من ولد أعمى والأعمى من ولد بصيرا ثم عمي. وسادسها: قوله تعالى: * (وإذ تخرج الموتى باذني) * أي وإذ تخرج الموتى من قبورهم أحياء