قوله تعالى * (ولو انزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذآ إلا سحر مبين) *.
اعلم أن الذين يتمردون عن قبول دعوة الأنبياء طوائف كثيرة، فالطائفة الأولى الذين بالغوا في حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها إلى أن استغرقوا فيها واغتنموا وجدانها، فصار ذلك مانعا لهم عن قبول دعوة الأنبياء، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في الآية المتقدمة وبين أن لذات الدنيا ذاهبة وعذاب الكفر باق، وليس من العقل تحمل العقاب الدائم لأجل اللذات المنقرضة الخسيسة، والطائفة الثانية الذين يحملون معجزات الأنبياء عليهم السلام، على أنها من باب السحر لا من باب المعجزة، هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية وههنا مسائل: المسألة الأولى: بين الله تعالى في هذه الآية أن هؤلاء الكفار لو أنهم شاهدوا نزول كتاب من السماء دفعة واحدة عليك يا محمد لم يؤمنوا به، بل حملوه على أنه سحر ومخرقة، والمراد من قوله * (في قرطاس) * أنه لو نزل الكتاب جملة واحدة في صحيفة واحدة، فرأوه ولمسوه وشاهدوه عيانا لطعنوا فيه وقالوا إنه سحر. فإن قيل: ظهور الكتاب ونزوله من السماء هل هو من باب المعجزات أم لا، فإن لم يكن من باب المعجزات لم يكن إنكارهم لدلالته على النبوة منكرا، ولا يجوز أن يقال: أنه من باب المعجزات لأن الملك يقدر على إنزاله من السماء، وقبل الايمان بصدق الأنبياء والرسل لم تكن عصمة الملائكة معلومة، وقبل الإيمان بالرسل، لا شك أنا نجوز أن يكون نزول ذلك الكتاب من السماء من قبل بعض الجن والشياطين، أو من قبل بعض الملائكة الذين لم تثبت عصمتهم، وإذا كان هذا التجويز قائما فقد خرج نزول الكتاب من السماء عن كونه دليلا على الصدق. قلنا: ليس المقصود ما ذكرتم، بل المقصود أنهم إذا رأوه بقوا شاكين فيه، وقالوا: إنما سكرت أبصارنا، فإذا لمسوه بأيديهم فقد يقوى الادراك البصري بالادراك اللمسي، وبلغ الغاية في الظهور والقوة، ثم هؤلاء يبقون شاكين في أن ذلك الذي رأوه ولمسوه هل هو موجود أم لا، وذلك يدل على أنهم بلغوا في الجهالة إلى حد السفسطة، فهذا هو المقصود من الآية لا ما ذكرتم والله أعلم.