والجواب عنه: أنه لم يثبت بالدليل أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا مع الإيلام. والله أعلم. الفرع الخامس: أن البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضا، فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت عوضا على الله تعالى فإنه ينقل ذلك العوض إلى المظلوم. وإن لم يكن الأمر كذلك فالله تعالى يكمل ذلك العوض، فهذا مختصر من أحكام الأعواض على قول المعتزلة. والله أعلم.
قوله تعالى * (والذين كذبوا باياتنا صم وبكم فى الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * فيه مسائل: المسألة الأولى: في وجه النظم قولان: الأول: أنه تعالى بين من حال الكفار أنهم بلغوا في الكفر إلى حيث كأن قلوبهم قد صارت ميتة عن قبول الإيمان بقوله * (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله) * (الأنعام: 36) فذكر هذه الآية تقريرا لذلك المعنى الثاني أنه تعالى لما ذكر في قوله * (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) * (الأنعام: 38) في كونها دالة على كونها تحت تدبير مدبر قديم وتحت تقدير مقدر حكيم، وفي أن عناية الله محيطة بهم، ورحمته واصلة إليهم، قال بعده والمكذبون لهذه الدلائل والمنكرون لهذه العجائب صم لا يسمعون كلاما البتة، بكم لا ينطقون بالحق، خائضون في ظلمات الكفر، غافلون عن تأمل هذه الدلائل. المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الهدى والضلال ليس إلا من الله تعالى. وتقريره أنه تعالى وصفهم بكونهم صما وبكما وبكونهم في الظلمات وهو إشارة إلى كونهم عميا فهو بعينه نظير قوله في سورة البقرة * (صم بكم عمي) * (البقرة: 18). ثم قال تعالى: * (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * وهو صريح في أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى. قالت المعتزلة: الجواب عن هذا من وجوه: الوجه الأول: قال الجبائي معناه أنه تعالى يجعلهم صما وبكما يوم القيامة عند الحشر. ويكونون كذلك في الحقيقة بأن يجعلهم في الآخرة صما وبكما في الظلمات، ويضلهم بذلك عن الجنة