* (كنت أنت الرقيب عليهم) * قال الزجاج: الحافظ عليهم المراقب لأحوالهم. * (وأنت على كل شيء شهيد) * يعني أنت الشهيد لي حين كنت فيهم وأنت الشهيد عليهم بعد مفارقتي لهم، فالشهيد الشاهد ويجوز حمله على الرؤية، ويجوز حمله على العلم، ويجوز حمله على الكلام بمعنى الشهادة فالشهيد من أسماء الصفات الحقيقية على جميع التقديرات ثم قال تعالى:
* (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) *.
فيه مسائل: المسألة الأولى: معنى الآية ظاهر، وفيه سؤال: وهو أنه كيف جاز لعيسى عليه السلام أن يقول * (وإن تغفر لهم) * والله لا يغفر الشرك. والجواب عنه من وجوه: الأول: أنه تعالى لما قال لعيسى عليه السلام: * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (المائدة: 116) علم أن قوما من النصارى حكوا هذا الكلام عنه، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافرا بل يكون مذنبا حيث كذب في هذه الحكاية وغفران الذنب جائز، فلهذا المعنى: طلب المغفرة من الله تعالى، والثاني: أنه يجوز على مذهبنا من الله تعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل الزهاد والعباد النار، لأن الملك ملكه ولا اعتراض لأحد عليه، فذكر عيسى هذا الكرم ومقصوده منه تفويض الأمور كلها إلى الله، وترك التعرض والاعتراض بالكلية، ولذلك ختم الكلام بقوله * (فإنك أنت العزيز الحكيم) * يعني أنت قادر على ما تريد، حكيم في كل ما تفعل لا اعتراض لأحد عليك، فمن أنا والخوض في أحوال الربوبية، وقوله إن الله لا يغفر الشرك فنقول: غفرانه جائز عندنا، وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا: لأن العقاب حق الله على المذنب وفي إسقاطه منفعة للمذنب، وليس في إسقاطه على الله مضرة، فوجب أن يكون حسنا بل دل الدليل السمعي في شرعنا على أنه لا يقع، فلعل هذا الدليل السمعي ما كان موجودا في شرع عيسى عليه السلام. الوجه الثالث: في الجواب أن القوم قالوا هذا الكفر فعيسى عليه السلام جوز أن يكون بعضهم قد تاب عنه، فقال: * (ان تعذبهم) * علمت أن أولئك المعذبين ماتوا على الكفر فلك أن تعذبهم بسبب أنهم عبادك، وأنت قد حكمت على كل من كفر ممن عبادك بالعقوبة، وإن تغفر لهم علمت أنهم تابوا عن الكفر، وأنت حكمت على من تاب عن الكفر بالمغفرة. الوجه الرابع: أنا ذكرنا أن من الناس من قال: إن قول الله تعالى لعيسى * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (المائدة: 116) إنما كان عند رفعه إلى السماء لا في يوم القيامة، وعلى