تكذيبه فقد سبق تقريره. وأما قراءة ابن عامر وهي أنه كان يرفع * (ولا نكذب) * وينصب * (ونكون) * فالتقدير: أنه يجعل قوله * (ولا نكذب) * داخلا في التمني، بمعنى أنا إن رددنا غير مكذبين نكن من المؤمنين والله أعلم. المسألة الثالثة: قوله * (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب) * لا شبهة في أن المراد تمني ردهم إلى حالة التكليف لأن لفظ الرد إذا استعمل في المستقبل من حال إلى حال، فالمفهوم منه الرد إلى الحالة الأولى. والظاهر أن من صدر منه تقصير ثم عاين الشدائد والأحوال بسبب ذلك التقصير أنه يتمنى الرد إلى الحالة الأولى، ليسعى في إزالة جميع وجوه التقصيرات. ومعلوم أن الكفار قصروا في دار الدنيا فهم يتمنون العود إلى الدنيا لتدارك تلك التقصيرات، وذلك التدارك لا يحصل بالعود إلى الدنيا فقط، ولا بترك التكذيب، ولا بعمل الإيمان بل إنما يحصل التدارك بمجموع هذه الأمور الثلاثة فوجب إدخال هذه الثلاثة تحت التمني. فإن قيل: كيف يحسن منهم تمني الرد مع أنهم يعلمون أن الرد يحصل لا البتة. والجواب من وجوه: الأول: لعلهم لم يعلموا أن الرد لا يحصل. والثاني: أنهم وإن علموا أن ذلك لا يحصل؛ إلا أن هذا العلم لا يمنع من حصول إرادة الرد كقوله تعالى: * (يريدون أن يخرجوا من النار) * (المائدة: 37) وكقوله * (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) * (الأعراف: 50) فلما صح أن يريدوا هذه الأشياء مع العلم بأنها لا تحصل، فبأن يتمنوه أقرب، لأن باب التمني أوسع، لأنه يصح أن يتمنى ما لا يصح أن يريد من الأمور الثلاثة الماضية. ثم قال تعالى: * (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: معنى * (بل) * ههنا رد كلامهم، والتقدير: أنهم ما تمنوا العود إلى الدنيا، وترك التكذيب، وتحصيل الإيمان لأجل كونهم راغبين في الإيمان، بل لأجل خوفهم من العقاب الذي شاهدوه وعاينوه. وهذا يدل على أن الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه، لكونه إيمانا وطاعة، فأما الرغبة فيه لطلب الثواب، والخوف من العقاب فغير مفيد. المسألة الثانية: المراد من الآية: أنه طهر لهم في الآخرة ما أخفوه في الدنيا. وقد اختلفوا في ذلك الذي أخفوه على وجوه: الأول: قال أبو روق: إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون * (والله ربنا ما كنا مشركين) * فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر، فذلك حين بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل. قال الواحدي: وعلى هذا القول أهل التفسير. الثاني:
(١٩٣)