ينجع فيهم القول.
قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * أمر الرسول بأن لا ينظر إلى قلة المقتصدين وكثرة الفاسقين ولا يخشى مكروههم فقال * (بلغ) * أي واصبر على تبليغ ما أنزلته إليك من كشف أسرارهم وفضائح أفعالهم، فإن الله يعصمك من كيدهم ويصونك من مكرهم. وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس يكذبوني واليهود والنصارى وقريش يخوفوني، فلما أنزل الله هذه الآية زال الخوف بالكلية " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أيام إقامته بمكة يجاهر ببعض القرآن ويخفي بعضه إشفاقا على نفسه من تسرع المشركين إليه وإلى أصحابه، فلما أعز الله الإسلام وأيده بالمؤمنين قال له: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * أي لا تراقبن أحدا، ولا تترك شيئا مما أنزل إليك خوفا من أن ينالك مكروه. ثم قال تعالى: * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع * (رسالاته) * في هذه الآية وفي الأنعام * (حيث يجعل رسالاته) * (الأنعام: 124) على الجمع، وفي الأعراف * (برسالاتي) * (الأعراف: 144) على الواحد، وقرأ حفص عن عاصم على الضد، ففي المائدة والأنعام على الواحد، وفي الأعراف على الجمع، وقرأ ابن كثير في الجميع على الواحد، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم كله على الجمع. حجة من جمع أن الرسل يبعثون بضروب من الرسالات وأحكام مختلفة في الشريعة، وكل آية أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فهي رسالة، فحسن لفظ الجمع، وأما من أفرد فقال: القرآن كله رسالة واحدة، وأيضا فإن لفظ الواحد قد يدل على الكثرة وإن لم يجمع كقوله * (وادعوا ثبورا كثيرا) * (الفرقان: 14) فوقع الاسم الواحد على الجمع، وكذا ههنا لفظ الرسالة وإن كان واحدا إلا أن المراد هو الجمع.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: إن قوله * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * معناه فإن لم تبلغ رسالته فما بلغت رسالته، فأي فائدة في هذا الكلام؟
أجاب جمهور المفسرين بأن المراد: أنك إن لم تلغ واحدا منها كنت كمن لم يبلغ شيئا منها،