اباءنآ أولو كان ءاباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) * والمعنى معلوم وهو رد على أصحاب التقليد وقد استقصينا الكلام فيه في مواضع كثيرة. وأعلم أن الواو في قوله * (أولو كان آباؤهم) * واو الحال قد دخلت عليها همزة الإنكار، وتقديره أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون. وأعلم أن الاقتداء إنما يجوز بالعالم المهتدي، وإنما يكون عالما مهتديا إذا بنى قوله على الحجة والدليل، فإذا لم يكن كذلك لم يكن عالما مهتديا، فوجب أن لا يجوز الاقتداء به.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسهم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: لما بين أنواع التكاليف والشرائع والأحكام ثم قال: * (ما على الرسول إلا الابلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * (المائدة: 99) إلى قوله * (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * (المائدة: 104) فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء الجهال مع ما تقدم من أنواع المبالغة في الاعذار والانذار والترغيب والترهيب لم ينتفعوا بشيء منه بل بقوا مصرين على جهلهم مجدين على جهالاتهم وضلالتهم، فلا تبالوا أيها المؤمنون بجهالتهم وضلالتهم، بل كونوا منقادين لتكاليف الله مطيعين لأوامره ونواهيه، فلا يضركم ضلالتهم وجهالتهم، فلهذا قال: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) *. المسألة الثانية: قوله * (عليك أنفسكم) * أي احفظوا من ملابسة المعاصي والاصرار على الذنوب قال النحويون عليك وعندك ودونك من جملة أسماء الأفعال. تقول العرب: عليك وعندك ودونك، فيعدونها إلى المفعول ويقيمونها مقام الفعل، وينصبون بها، فيقال: عليك زيدا كأنه قيل: خذ زيدا فقد علاك، أي أشرف عليك، وعندك زيدا، أي حضرك فخذه ودونك، أي قرب منك فخذه، فهذه الأحرف الثلاثة لا اختلاف بين النحويين في إجازة النصب بها ونقل صاحب " الكشاف " * (عليكم أنفسكم) * بالرفع عن نافع. المسألة الثالثة: ذكروا في سبب النزول وجوها: أحدها: ما روى الكلبي عن أبي صالح عن