كما قال عليه الصلاة والسلام: " التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله " ثم بين تعالى أن كل من أتى بهذا الإيمان وبهذا العمل فإنه يرد القيامة من غير خوف ولا حزن. والفائدة في ذكرهما أن الخوف يتعلق بالمستقبل، والحزن بالماضي، فقال * (لا خوف عليهم) * بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة * (ولا هم يحزنون) * بسبب ما فاتهم من طيبات الدنيا لأنهم وجدوا أمورا أعظم أشرف وأطيب مما كانت لهم حاصلة في الدنيا، ومن كان كذلك فإنه لا يحزن طيبات الدنيا. فإن قيل: كيف يمكن خلو المكلف الذي لا يكون معصوما عن أهوال القيامة؟ والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى شرط ذلك بالعمل الصالح، ولا يكون آتيا بالعمل الصالح إلا إذا كان تاركا لجميع المعاصي، والثاني: أنه إن حصل خوف فذلك عارض قليل لا يعتد به. المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: أنه تعالى شرط عدم الخوف وعدم الحزن بالإيمان والعمل الصالح، والمشروط بشيء عدم عند عدم الشرط، فلزم أن من لم يأت مع الإيمان بالعمل الصالح فإنه يحصل له الخوف والحزن، وذلك يمنع من العفو عن صاحب الكبيرة. والجواب: أن صاحب الكبيرة لا يقطع بأن الله يعفو عنه لا محالة، فكان الخوف والحزن حاصلا قبل إظهار العفو. المسألة الخامسة: أنه تعالى قال في أول الآية * (إن الذين آمنوا) * ثم قال في آخر الآية * (من آمن بالله) * وفي هذا التكرير فائدتان، الأولى: أن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، فالفائدة في هذا التكرير إخراجهم عن وعد عدم الخوف وعدم الحزن. الفائدة الثانية: أنه تعالى أطلق لفظ الإيمان، والإيمان يدخل تحته أقسام، وأشرفها الإيمان بالله واليوم لآخر، فكانت الفائدة في الإعادة التنبيه على أن هذين القسمين أشرف أقسام الإيمان، وقد ذكرنا وجوها كثيرة في قوله * (يا أيها الذين آمنوا) * وكلها صالحة لهذا الموضع. المسألة السادسة: لراجع إلى اسم * (إن) * محذوف، والتقدير: من آمن منهم، إلا أنه حسن الحذف لكونه معلوما، والله أعلم.
قوله تعالى * (لقد أخذنا ميثاق بنى إسراءيل وأرسلنآ إليهم رسلا كلما جآءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) *