ثم قال تعالى: * (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا) *. اعلم أنه تعالى لما وصف أسلافهم بما تقدم وصف الحاضرين منهم بأنهم يتولون الكفار وعبدة الأوثان، والمراد منهم كعب بن الأشرف وأصحابه حين استجاشوا المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكرنا في قوله تعالى: * (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) * (النساء: 51). ثم قال تعالى: * (لبئس مال قدمت لهم أنفسهم) * أي بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في دار الآخرة. وقوله تعالى: * (أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) * محل * (أن) * رفع تقول: بئس رجلا زيد، ورفعه كرفع زيد، وفي زيد وجهان: الأول: أن يكون مبتدأ، ويكون (بئس) وما عملت فيه خبره، والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه لما قال: بئس رجلا قتل: ما هو؟ فقال: زيد، أي هو زيد.
ثم قال تعالى: * (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون) * والمعنى: لو كانوا يؤمنون بالله والنبي وهو موسى عليه السلام، فلما فعلوا ذلك ظهر أنه ليس مرادهم تقرير دين موسى عليه السلام، بل مرادهم الرياسة والجاه فيسعون في تحصيله بأي طريق قدروا عليه، فلهذا وصفهم الله تعالى بالفسق فقال: * (ولكن كثيرا منهم فاسقون) * وفيه وجه آخر ذكره القفال، وهو أن يكون المعنى: ولو كان هؤلاء المتولون من المشركين يؤمنون بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ما اتخذهم هؤلاء اليهود أولياء، وهذا الوجه حسن في الكلام ما يدفعه.
قوله تعالى: * (لتجدن أشد الناس عدواة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) *.