* (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) *.
المسألة الرابعة: روي عن نافع * (به أنظر) * بضم الهاء وهو على لغة من يقرأ * (فخسفنا به وبداره الأرض) * (القصص: 81) فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار * (به انظر) * والباقون بكسر الهاء. وقرأ حمزة والكسائي * (يصدفون) * باشمام الزاي والباقون بالصاد أي يعرضون عنه. يقال: صدف عنه أي أعرض والمراد من تصريف الآيات إيرادها على الوجوه المختلفة المتكاثرة بحث يكون كل واحد منها يقوي ما قبل في الايصال إلى المطلوب فذكر تعالى أن مع هذه المبالغة في التفهيم والتقرير والإيضاح والكشف، انظر يا محمد أنهم كيف يصدفون ويعرضون. المسألة الخامسة: قال الكعبي: دلت هذه الآية على أنه تعالى مكنهم من الفهم، ولم يخلق فيهم الاعراض والصد ولو كان تعالى هو الخالق لما فيهم من الكفر لم يكن لهذا الكلام معنى. واحتج أصحابنا بعين هذه الآية وقالوا: إنه تعالى بين أنه بالغ في إظهار هذه الدلالة وفي تقريرها وتنقيحها وإزالة جهات الشبهات عنها، ثم إنهم مع هذه المبالغة القاطعة للعذر ما زادوا إلا تماديا في الكفر والغي والعناد، وذلك يدل على أن الهدى والضلال لا يحصلان إلا بهداية الله وإلا بإضلاله فثبت أن هذه الآية دلالتها على قولنا أقوى من دلالتها على قولهم والله أعلم.
قوله تعالى * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) *.
اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصا بأخذ السمع والبصر والقلب وهذا عام في جميع أنواع العذاب، والمعنى: أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره.
فإن قيل: ما المراد بقوله * (بغتة أو جهرة) * قلنا العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة. فالأول: هو البغتة. والثاني: هو الجهرة. والأول سماه الله تعالى بالبغتة، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه.
وعن الحسن أنه قال: * (بغتة أو جهرة) * معناه ليلا أو نهارا. وقال القاضي: يجب حمل هذا الكلام على ما تقدم ذكره لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلا وقد عاينوا مقدمته، لم يكن بغتة ولو